تلك الأيام تسعينات و كده
عزيزي القارئ
أكتب إليك وأنا في حالة نفسية مش ولابد على الرغم من يوم لطيف ختمته بغداء سوري مميز، ولكن متى كانت مدخلاتنا من أجل حياة سعيدة تثمر سعادة فعلا؟ هيحح، ما علينا.
الفكرة أنني بعد أن جلست في وضع كاتبة مخضرمة، وبعد أن حضرت موضوعًا، وجدتني في حاجة لبعض الموسيقى، ربما لخلق موود أكثر عمقا، وربما عملا بالمبدأ الأكثر عظمة مذ أن خلق الله الكون، "لازم ندوش الدوشة بدوشة أكتر من دوشتها علشان متدوشناش"، و قد كان.
لا أعرف لو أننا متشابهون في ذلك أم لا، ولكنني منذ فترة طويلة، فقدت أي شغف بشأن الموسيقى والأغاني، لا أعرف لو أن للثورة وكل ما تلاها من أحداث يد في ذلك، لا أعرف لو أن ذلك التهلهل والابتذال في كل شيء قد دفعني إلى الزهد بشأنها، لم تعد في بوسترات عمرو دياب تلك النظرة التي تدفعني بجنون للبحث عن أحدث سينجلاته، ولا صرت أهتم لآخر ما لحن فلان ولا عادت أذني تميز توزيعات فلان من علان، اللهم إلا أغنيات بعينها ألجأ إليها في مثل حالتي الآن، سأترك لك خمسة ترشيحات في نهاية المقال، و لكنني حين هربت إليها، "إتكعبلت"، في هذا التراك ..
https://soundcloud.com/mohamed-mahdy-3/90-1
"أتكعبلت" في تلك الأيام ..
التسعينات، و ما أدراك ما التسعينات ..
مثلك أنا أو ربما أكثر بؤسا، كان مصروفي اليومي خمسين قرشا، وحين رُفع إلى جنيه كامل كانت فرحةً لا تساويها فرحة، لا أذكر فيمَ كنت أصرفه تحديدا، لكن أذكر أن زجاجة المياه الغازية كانت بخمسين قرش، ذلك طبعا قبل أن يظهر "الصاروخ"، مبتلعا خمسة وسبعين قرشا كاملين من مصروفنا، لكن ولو، ذلك الربع جنيه كان مبلغا وقدره، يكفي ويزيد لشراء صنف جانبي، كي لا تأكل الصودا معدتك .. كانت الفرحة متاحة، كان كل شيء بسيطًا، زهيد الثمن وليس رخيصا، وشتان بين هذا وذاك.
(2)
لو أنك سألتني أن أذكر واحدة من أسعد خمس لحظات في حياتي، لأخبرتك بلا تردد عن اليوم الذي اقتنينا فيه "الأتاري"، يوم اكتشفنا سر تعدية المرحلة (7-4) في سوبر ماريو، ربما لن أتردد في أن أطلعك على سر ذلك اليوم الذي نظرت فيه إلى أحد أقاربي على أنه فتى أحلامي، حين نجح في أن "يفنشها"، وينقذ الأميرة من تنين أبله ينفث نارا .
تُرى من ينقذنا اليوم من نارٍ لا نعرف مصدرها، ولا نعرف للهروب منها سبيلا ..
(3)
كانت مخاوفي غريبة جدا، إذ كنت أخاف جدا من إعلان جيرسي، بستك بستك بستك ناو، شوكولاتة جيرسي واكلة الجو، ولكن ذلك لم يكن يساوِي شيئا أمام الرعب الذي كانت تحدثه في نفسي أغنية الفنان محمد رشدي، "ما تبطل تمشي بحنية، ما تبطل تمشي بحنية ليقوم زلزال"، كنت أخشى الزلازل والظلام والقطط والعصافير، حتى صوت صرصار الحقل.
اليوم ألفت كل ذلك، كبرت حقا، لكن صارت مخاوفي أكبر كثيرا، أكبر كثيرا جدا ..
(4)
خلافٌ وحيدٌ نشب بيننا في طفولتنا، إذ كان يحب عمرو دياب، حبًا جما بينما لم أكن أعترف إلا بمحمد فؤاد، كنا نتسابق في أن نُسمع بعضنا البعض آخر "شريط" - ذلك قبل أن يُطلق عليه ألبوم، وأقسم لك أنني حتى الآن لا أعرف لمَ ألبوم- بينما كانت هي مسالمة تعزف عن ذلك الجدال وتكتفي بحب هشام عباس – تخيل يا مؤمن-، صحيح أنها لا تزال كذلك، لكن أنا وهو كدنا نخسر بعض منذ سنتين، بسبب وصلة "ردح" بمعنى الكلمة، حول خلاف سياسي.
(5)
هل تذكر أول مرة كتبنا فيها بالقلم الجاف الأزرق في كشاكيلنا، بعد سنوات من الكتابة في الرصاص، وبعد مرحلة نكتب و "نحبر"، هل تذكر كيف كان اقتناء "الكوركتور" علامة مُميزة لأولاد الناس، عن هؤلاء العاديين الذين يبلون الممحاه بألسنتهم، وغالبا ما يتمخض ذلك عن قطع الورقة ..
(6)
على الرغم من حالة نوستالجيا مرضية، لكنني لا أتخيل ولا أتصور أنني كان من الممكن أن أرتدي سترات مشجرة بـ"أوبلتات"، وأن أصفف شعري على آخر موضة، "قصّة الأسد" وأسير واثقة الخطى، لكن ذلك لا يمنع أن أتذكر ذلك البلوفر المخطط اللعين، الذي توارثته الأجيال، والذي لا أعرف متى ظهر، ولا كيف انقرض، ولكن ألف شكر وحمد لله على ذلك.
(7)
على ذكر الأجيال، ربما كانت تلك تجربتي الأولى في "تقطيع الشرايين"، حين جلسنا في "أوضة" الكمبيوتر وبلا مقدمات شاهدنا فيديو الحلم العربي، بكينا طويلا وتأثرنا وتظاهر البعض في اليوم التالي، وعلى الرغم من سنوات مرت، لم يؤثر فينا شيء مثلها.
(8)
على ذكر الأجيال، تاني، هل تذكر كيف كنا نغني:
أفيال ورا أفيال، هتدوس على رجلنا..
لولّا و لولّا عيونك حولا ..
ازاي ازاي ازاي، أوصفلك يا حبيبي الشاي ..
تتسابق الذكريات لأكتبها، ابتسمت تارة وضحكت أخرى، حتى تلك المبكيات التي أحزنتنا صغارا لا يجوز عليها اليوم إلا الابتسام، لمَ كنت أحزن أصلا؟، لأن مستر محمد عبد الناصر كان يضطهدني "علشان مكنتش باخد عنده درس"، أو لأنني لم أستطع أن أكسب ود ميس أماني، "بتاعت العربي" التي كان يغريها أن تكتب إحداهن الواجب بسبعة ألوان مختلفة على الاقل، بينما لم أكن أكتب إلا بالأزرق والأخضر.
كنا صغارا وكانت مشاكلنا صغيرة، اليوم كبرنا، وكبرت مشاكلنا وذلك بديهي، لكن حتى ما لم يكبر منها، لم نعد قادرين على التعامل معه، فقط لاننا صرنا كبارا.
مقال حزين، أخبرتك من البداية، ليس باليد حيلة ..
خمسة أغاني أرشحها لك
عبد الرحمن محمد - بكرة
https://soundcloud.com/muhamed-esam/abdulrahman-mohammed-tomorrow
جوليا بطرس - يوما ما
https://soundcloud.com/salemjaza/sd8u9y3lfztj
علاء عبد الخالق و ابو - داري رموشك عني
https://soundcloud.com/engy_g1/hk4zvtur0z28
حمزة نمرة - تذكرتي، التغريبة (2)
https://soundcloud.com/ahmed-m-mostafa-1/nb0muxay97ff
فرقة ابن عربي – أحبك حبين
https://soundcloud.com/almaghribi1/jrv5rfdd0lab