التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 03:02 م , بتوقيت القاهرة

في ذكراه السادسة.. أشعار بسام حجار تحيا من بعده

"إنّي لا شيء 
وحديثي عابرٌ، 
مِثْلي، 
بين عابرينَ، 
لذلكَ
أتحدّثُ عنكَ.."


هكذا ببساطة يتعامل الشاعر اللبناني الراحل "بسّام حجّار" مع الشعر.. طفل يعبث بسحابة عابرة، لا ظل لها ولا مأوى، وبسام يكتب الشعر لأنه لا يجد تفسيرًا لذلك، إنها حالة أشبه بالغريزة.


ولد بسّام حجار في صور بجنوب لبنان عام 1955، وحصل على الإجازة في الفلسلفة من الجامعة اللبنانية، وتابع دراسته العليا في باريس، وحصل على دبلوم الدراسات المعمقة في الفلسفة من جامعة السوربون، ثم عمل في الصحافة الثقافية والترجمة طوال حياته، بالإضافة إلى منجزه الشعري.


كان بسام واحدا ممن أعطوا قصيدة النثر في الثمانينات شرعية جديدة وجمالية خاصة، وكانت كتاباته الشعرية أشبه بمن يضخ في الدم إبرة كاملة من الوجع والفرح معا. تنقل بسام بخفة بين غصون الأدب، بدءًا من الشعر وصولا للكتابات الصحفية والترجمات الأدبية، لاسيما للأدبين الفرنسي والياباني. ليس الموت الصفحة الأخيرة في حياة بسام، بل إنه إضافة جديدة لحياته الأدبية والصحافية. يعرف بسام أن كل نجاة بالشعر كاذبة، لذلك يكتب الشعر كي يتخفف من ضغوط الحياة وحالة الاغتراب التي يعيشها الإنسان في الواقع الذي نعيشه.. كان بسام يحتفي بكل من حوله من شخوص، شجيرات، أعمدة التليغراف، والنهارات الشتوية.



كنا نحاول أن نعيد صياغة الألم، أن نرسم في خانة "الفسحة" جرسًا لشاعر لم تتسع الحياةُ لبياض قلبه، بسام حجَّار الشاعر اللبناني الذي لم يغيبه الموتُ بل زاد من حضوره وفيضه. 


على الأرجح لم يكن بسام من هؤلاء الذين يرغبون في التفتيش عن نوايا الحياة، كان يترك الابتسامة المطلية بالمرارة المسكَّرة أن تأخذ مقعدها على شفاه القارئ. إنه "بابا نويل" صاحب الهدايا الشعرية التي لا يُمكن رفضها، عليك فقط أن تتقبلها كما هي، وتقول "شكرًا". 



إن جاز التعبير، فالقارئ مدينٌ لبسام بفواتير الرقة والجمال؛ لقد حاول طوال حياته أن يحفر في تلك الثقوب الصغيرة من أرواحنا الباهتة، لربما نعثرُ في المنعطفِ على فراشة مبثوثة أو وردة مطمورة في عروة الجاكيت، أو ربما ما تبقى من الحُلم فينا.. حاول أن يتحدث بالنيابة عنّا، أن يحمل خسائرنا اليومية من غابة لأخرى، ومن طريق ريفي لآخر. 


صوتُ بسام الشعري كان أشبه بمصباح برتقالي يفيض بالدفء والشقاء معًا، ثم جاء رحيل بسام عن العالم في 17 من فبراير/شباط بمثابة فاجعة أدبية وخسارة مدوية. 


صدر له مجموعات شعرية مهمة منها: مشاغل رجل هادئ (1980)، لأروي كمن يخاف أن يرى (1985)، حكاية الرجل الذي أحب الكناري (1996)، بضعة أشياء (2002)، مجرد تعب (1996)، مديح الخيانة (1997)، ألبوم العائلة وتفسير الرخام (2008).



هل أراد بسام حجار أن يحتفي بالموت في أشعاره؟ هل كان الموت هو السر المقدس لدى بسام؟ كل هذه الأسئلة يتركها معلقة على شماعة الأيام، كأنه يرى أن الحياة "بضعة أشياء" وأنه يخاطب جمال الشعر "سوف تحيا من بعدي".