آسيا جبار.. عندما تكون الكتابة ضد الموت
"أكتب ضد الموت، أكتب ضد النسيان. أكتب على أمل أن أترك أثرا ما، ظلا، نقشا في الرمل المتحرّك، في الرماد الذي يطير وفي الصحراء التي تصعد".
هكذا كتبت آسيا جبار في "لا مكان في بيت أبي"، عن سيرة فتاة تعيش في العاصمة الجزائرية، فتاة تتجول في شوارع المدينة، فرحة، تكتب لأن الكتابة حياة، وذاكرة دائمة، ولأن الحياة لا تعاش بدون أمل، وجدت تلك الفتاة أيضا أن الكتابة كذلك.
آسيا جبار، بنت الصحراء، التي نقشت في الرمل المتحرك لصحراء الجزائر الممتدة، لتثبت حضورها القوي، فتاة تعد من الأوائل، فهي فعلت كل شيء لأول مرة، هي الفتاة التي رغم عدم استطاعتها قيادة الدراجة مثلها مثل جميع فتيات قريتها، إلا أنها أول فتاة في القرية تلتحق بالمدرسة، فدرست في بادئ الأمر بالمدرسة القرائنية، قبل أن تستكمل دراستها الابتدائية في مدرسة الليسيه.
وُلدت آسيا جبار عام 1936، بمدينة شرشال الجزائرية، وكان اسمها الحقيقي فاطمة الزهراء، والدها يعمل مدرسا، ورغم مساندته له في متابعة تعليمها، إلا أنه منعها من قيادة الدراجة وهي طفلة صغيرة، لكن من ناحية أخرى كان له دور مهم فيما وصلت له آسيا التي وصفته بالرجل "الذي يؤمن بالحداثة والانفتاح والحرية".
كانت لها اهتمامات متعددة، فبخلاف تدريسها لمادة التاريخ في جامعة الجزائر، حافظت آسيا على اهتمامها بالأدب والكتابة، والعمل المسرحي والسينمائي، فقدمت أول رواية لها عام 1953 "العطش" مع دار نشر "جوليان" الفرنسية، تحت اسم مستعار، وهو آسيا جبار، كما قدمت في 1957 رواية "نافذة الصبر"، كل ذلك مع التزامها بالكتابة الصحفية في جريدة "مجاهد" الجزائرية.
وظلت فاطمة الزهراء واقفة خلف قناع البطلة آسيا جبار، تحكي عبرها عما تراه، وتعبر بها عن رؤيتها للعالم والحرية، لكن تقول آسيا عن سبب استخدامها لاسم مستعار "لم أكن أرغب في أن يعرف والدي ووالدتي أنني كتبت رواية".
وبعد 4 إصدارات يعدها النقاد المرحلة الأولى لآسيا جبار، انتهت في عام 1968، برواية "الشفق الأحمر"، توقفت آسيا عن الكتابة وعادت مرة أخرى، حياة أخرى، وكتابة جديدة تماما في المرحلة الثانية التي بدأت عام 1985 برواية "الحب والفانتازيا".
"أكتب مثل كثير من الكاتبات الجزائريات الأخريات بحس استعجالي أحيانا، ضد النكوص ومناصبة العداء للنساء. هذا السرد الروائي يصبو إلى تسجيل التاريخ الصامت وغير المضاء جيدا، في الغالب للنساء، إنه يأتي لمعالجة نسيان ما".
عرفت آسيا جبار كروائية لها علاقة بالسينما، فهي مرتبطة بالصورة والكتابة معا، فبخلاف تدريسها لمادة التاريخ في الجامعة الجزائرية، درست أيضا السينما والمسرح بكلية الجزائر، ولما انتقلت إلى فرنسا في 1980، اخرجت وكتبت عدة مسرحيات فرنسية، الأمر الذي مهد لها الطريق أمام الإخراج السينمائي.
كتبت آسيا أول أفلامها "نوبة نساء جبل شنوه" عام 1957، ونفذته في 1978، قالت جبار في أثناء تصويرها لهذا الفيلم "بهذا الفيلم أيضا أقوم بالأدب، أمر من الأدب المكتوب إلى الأدب الشفوي. أؤكد دورا للتوصيل. في بداية هذا المشروع بدأت بالاستماع لحكايات النساء. قمت بهذا العمل في منطقتي الأصلية (جبل شنوه). لقد قُـبلت من طرفهن، ليس لأني كاتبة، ولكن لا، لي روابط بوسطهن. وأنا أستمع، كانت هناك صور تتشكل في خيالي شيئا فشيئا والفيلم يتشكل أيضا".
حاز الفيلم على جائزة النقد العالمي من مهرجان البندقية السينمائي عام 1979، كما حصد فيلمها الثاني "زردة أو أغاني النساء" جائزة أفضل فيلم وثائقي من مهرجان برلين الدولي للسينما عام 1982.
ترشحت آسيا عدة مرات لجائزة نوبل للآداب، ولكنها لم تتوج بها، ولكنها حصلت على جائزة المكتبيين الألمان العالمية للسلام في عام 2000، ومنحت الجائزة لأسيا جبار لكونها "جسدت في كتاباتها المختلفة سعي النساء الجزائريات للحرية، ودفعت عاليا صوت المرأة العربية إلي آفاق وأجواء الأدب العالمي"، بحسب تقرير لجنة تحكيم الجائزة.
ويضيف التقرير عن جبار " تمثل لسان حال كل ضحايا الظلم والعنف والتعذيب في الجزائر، كما أن أعمالها تندرج في سياق النضال في سبيل الاعتراف بالمرأة وحقوقها في نطاق الشعوب الإسلامية".
وفي عام 2005 انتخبت آسيا جبار عضوا في الأكاديمية الفرنسية، لتكون خامس امرأة تنال شرف عضوية الأكاديمية في التاريخ، وأول امرأة عربية وأول شخصية من الوطن العربي تنال هذه العضوية، وجاءت عضوية جبار للأكاديمية لأنها تعتبر من أهم الأدباء الذين يكتبون باللغة الفرنسية.