صندوق التميز ضاع في The Boxtrolls
Hatim Mansour
الجمعة، 06 فبراير 2015 11:38 ص
شركة لايكا واحدة من الشركات التي نجحت في فترة قصيرة، فيما فشل فيه العديد من شركات صناعة أفلام التحريك، وهو صناعة أفلام لها رونق مميز ومختلف عن السائد في هوليوود، وبعيد إلى حد كبير عن أعمال بيكسار ودريم ووركس، التي يتم صناعتها بالاعتماد على ألاعيب جرافيك الكمبيوتر بشكل أساسي. أفلام لايكا السابقة (Corpse Bride - ParaNorman - Coraline) تتخذ أيضا مسارا دراميا حادا، لا يخلو أحيانا من لمسات رعب خفيفة (بمعايير الأطفال)، لن تجده عادة في أعمال غيرها.
تستخدم لايكا تقنية Stop-Motion Animation وهى تقنية تعتمد على استخدام عرائس ودمى، وتعديل وضعها يدويا بشكل متسلسل لتصوير كل لقطة، ثم إعادة تركيب وعرض اللقطات بشكل متتابع خلال كل ثانية (عادة 24 لقطة/ثانية). التقنية ببساطة هي الجذور التاريخية لفكرة شريط السينما عامة. بكل تأكيد لن تمنحك نهائيا العرائس نفس مرونة جرافيك الكمبيوتر، سواء في تعبيرات الوجه أو جودة وانسيابية الحركة ونعومتها، لكنها تمنح للصورة مذاقا فريدا مهما.
الإحساس أن ما تشاهده هو في النهاية كيان مادي ملموس. نفس الإحساس الذي أحبه ملايين في كل العرائس الشهيرة، مثل The Muppet Show أو "بُقلظ" أو غيرها. سحر اللحظة التي تتفق فيها أنت وصناع العمل، أن هذه "العروسة" حية رغم وضوح كونها مجرد قطعة خشبية أو بلاستكية أو صلصالية. نفس السحر المتوارث قبل ظهور السينما، في مسرح العرائس وأراجوز الشارع، الذي يداعب صاحبه الأطفال من خلف ستارة.
أحد طباعنا كبشر، هو الملامسة كجزء من التقدير والإعجاب. ستجد هذا في ممارسة الحب، وفي طريقة مداعبة الأطفال، أو مداعبة القطط والحيوانات الأليفة. ستجده أيضا في ضيقك عندما تجد سلعة أو تحفة معروضة خلف لوح زجاجي، بشكل يحرمك من متعة اللمس!.. ألاعيب الجرافيك لها مزايا يطول شرحها، لكنّها في النهاية تنتزع هذه القابلية والرغبة الفطرية لدى المتفرج.
في فيلم لايكا الأخير The Boxtrolls المُرشح لأوسكار أفضل فيلم تحريك، تخلت الشركة نسبيا عن عناصر تميزها، واقتبست من السائد، أملا في الوصول لقطاع أكبر من الجمهور، ومزاحمة بيكسار ودريم ووركس.
الخط الدرامي المراد مرح وخفيف وقريب من أعمال غيرها. والـ Stop-Motion Animation تم تعديل نتائجه ودمجه بالعديد من الخلفيات والأجزاء المصنوعة بالجرافيك. كلا الخطوتين للأسف كانت نتائجها النهائية خسارة لايكا لما يميزها، في عمل لا يرقى للمنافسين، ولا يرقى لأعمالها السابقة.
القصة كسولة والشخصيات تفتقد للحضور، والأحداث كلها بلا استثناء متوقعة، ولم يستفد الفيلم من الأداء الصوتي لأسماء موهوبة مثل بن كينجسلي، سيمون بيج، نيك فروست. والخطأ الأكبر على الإطلاق يتعلق بتصميم شخصيات الـ Boxtrolls أو "مسوخ الصناديق". وإذا فشلت في التصميم الأساسي للشخصيات المحورية، فقد انتهى كل شىء، وهى نفس أزمة فيلم "سلاحف النينجا" الأخير الأساسية بالمناسبة.
ملامحهم منفرة وتفتقر إلى لمسة التعبير والتواصل والكوميديا والمرح المطلوبة. قد يبدو المزج صعب نظريا، بين شخصيات مطلوب أن تكون شكلا مرعبة نسبيا لضرورة درامية، ومطلوب أيضا أن يحبها الأطفال، لكن يمكنك دائما أن تمزج في التصميم بين صفات تبدو متناقضة. شاهد مثلا الإبداع في شخصيات الـ Minions الشهيرة. تصميم كل منهم سيمنحك فورا الصفة المميزة لكل شخصية، بالإضافة إلى لمسة مرح وسخرية، تجبرك على الابتسام والتفاعل.
أول مرة قرأت فيها عن فكرة الدمج بكثافة بين الجرافيك والـ Stop-Motion Animation في الفيلم أثناء صناعته، لم أتحمس كثيرا للخطوة، لكن في النهاية من الصعب أن تثق في حكمك وحدسك مقارنة بأباطرة الصناعة نفسها. الآن بعد مشاهدة الفيلم اقتنعت أكثر بحكمي الأول. نعومة الجرافيك ومزاياه غير موجودة أو مستغلة، ولذة وتلقائية العرائس والإحساس المادي بتواجد الشخصيات والديكورات، مفقودة في عديد من المشاهد، بسبب تعديلات الجرافيك على الشخصيات نفسها، أو بسبب وجود جزء جرافيك ما واضح كامل في المشهد. الفيلم في النهاية على مستوى الصورة أقرب لمسخ، لا يملك سحر أي من العالمين.
الأزمة تزداد بسبب ضعف القصة وملل الأحداث والشخصيات. وهو سبب كاف للتدقيق أكثر وأكثر في الصورة. على كل قد ينتج عن هذا الدمج يوما ما، عمل أفضل يقتنص من كلا التقنيتين مزايا كل واحدة، لكن ببساطة لا تبدو المحاولة هنا مُبشرة على أي حال.
Boxtrolls الآن هو أقل أعمال الشركة نجاح على المستوى التجاري. هذا درس قاس لـ لايكا، التي تنازلت عما يميزها طمعا في مزيد من الجمهور، فانتهت بجمهور أقل. وهو درس مهم للكل عامة. لا تترك نطاق تميزك وتترك منافسك يسحبك لملعبه وأرضه. الدرس الأهم - والمكرر - أن كل ألاعيب وحيل التقنيات، لا تصلح نهائيا كبديل عن الحدوتة المسلية.
لكل جواد كبوة، وأتعشم أن يكون الفيلم آخر كبوات لايكا. على صعيد آخر ترشيح الفيلم لأوسكار، أكبر إثبات أن 2014 كان للأسف، عاما مخيبا للآمال في مجال التحريك. المنافسة الآن على الفوز، تنحصر تقريبا بين How to Train Your Dragon 2 و Big Hero 6 وكلاهما عمل متواضع أيضا، وان كان أفضل نسبيا.
إذا أردت أن تستمتع بعمل كلاسيكي حقيقي مهم يلخص سحر التقنية، أنصحك بمشاهدة Chicken Run إنتاج 2000. الفيلم يملك أيضا ما هو أكثر سحرا من التقنية. قصة مسلية يلعب فيها ميل جيبسون دور ديك داخل مزرعة دجاج!.. أعتقد أن هذا عرض لا يمكن رفضه!
على كل نتج عن فيلم Boxtrolls المتواضع غير الساحر، عملين مهمين ساحرين استمتعت بمشاهدتهما أكثر من مرة. الأول عناوين النهاية في الفيلم، التي ستسمع فيها أغنية مسلية، مع رسوم يد لطيفة بسيطة، أقرب لرسوم الأطفال. والثاني هذا الإعلان الأنيق الذكي الذي يلخص سحر ورونق الـ Stop-Motion Animation أولا، قبل أن يغرينا بمشاهدة الفيلم نفسه.
باختصار:
شخصيات ينقصها الحضور والجاذبية، في قصة ينقصها التسلية، وصورة ينقصها سحر الـ Stop-Motion Animation، في عمل ضعيف يذكرنا من جديد بعام محبط جدا في صناعة أفلام التحريك. الصندوق ككل لا يحتوي على عنصر واحد مغرٍ بالشراء للأسف.
لا يفوتك