التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 04:05 م , بتوقيت القاهرة

ده مدح ولا ذم؟! ده رثاء حضرتك

يقول عميد الأدب العربي طه حسين:


"لا تقل أثنى علي فلان وفلان ورضي عني فلان وفلان فليس لهذا الثناء ولا لهذا الرضا قيمة، ولكن قل نقدني فلان وفلان وعابني فلان وفلان فإن أصدق الناس في نصحك والإخلاص لك هم الذين ينتقدونك لا الذين يحمدونك. فإن الذي يحمدك إما أن يكون كاذباً عليك وإما أن يكون متخلصًا منك، وإما أن يكون محبًا لك فيصرفه حبه عن عيوبك، أما الذي ينتقدك فمهما يكن سيئ النية ومهما يكن مسرفًا في ظلمك والجور عليك، فهو يدلك على عيوبك أنت خليق أن تمتحنها في نفسك، فإنّ تكن فيك اجتهدت في أن تبرأ منها وإن لم تكن فيك حمدت الله واجتهدت في ألا تتورط فيها.ىولكن كن عاقلاً وخف حامدك أكثر مما تخاف ناقدك، واعلم أن الثناء الخالص الذي لا يشوبه النقد، إنما هو كالماء أذيب فيه كثير من السكر وتوشك إن أسرفت في شربه أن يأخذك الغثيان وخير لك وأصلح لصحتك أن تضيف إلى هذا الماء والسكر عنصرًا ثالثاً يحول بينك و بين القيء" . 


الإنسان عامةً بطبعه يُحب المدح وينبذ الثناء أنا شخصيًا بموووووت في الإطراء، فإن لم يطبلوا لي فكيف لي أن أرقص!! وطبيعة الإنسان أيضاً يخشى النقد لأن النقد قد يعريه أمام نفسه ويكشف له عيوبه التي يحاول التستر عليها، حتى ولو لا شعورياً، ولكن هنا تجب الحكمة في أن لا ننقاد وراء حبنا للمدح، وأن نتقبل النقد من أجل الأفضل، وإن انتقدك أعداؤك، فذلك الأفضل يدمرهم فيكونوا فعلوا بك خيرًا وليس سوءاً، ولو كانوا تنبأوا بنتيجة نقدهم لك ما كانوا انتقدوك أصلاً .


ولو كنت ناصحة نفسي وغيري هنا لقلت لا تخشَ النقد أبداً بقدر ما تخشى المدح المبالغ فيه، فإن في نفس صاحبه غرض ما و فيه شر كثير أقله أن يعطيك صورة زائفة عن نفسك و هل أكبر من هذا شر.


لا تنسَ أن المدح من أهل الفضل والعقلاء لإعطاء الحق لأصحابه بالتكريم والثناء والدعم لا ضير فيه، وهو يحث الآخرين لتقليد الأفعال النبيلة والخصال الحميدة، والنقد البناء الهادف المعلم من غير تعال أو سخرية أو سب وقذف وألفاظ نابية وشخصنة من شخص المنقود وقتها يهدي المنقود الى عيوبه لإصلاحها ونيل التقدير من الآخرين إذا عمل بها، وفي الاثنين خير وصدقة لكن الأساس الأسلوب والنية، فالنقد يحتاج إلى دراسة أخلاقية متأنية متلازمة مع دراسة علم النقد أما إذا كان النقد مقتصرًا فقط على علم النقد فلا أعتقد أن أي أحد منا سيقبل النقد حتى و لو كان من كبار النقاد .


جميعنا نصاب بالغثيان إثر مدح زائد حاد تحتاج معه مقدار نصف لمونة من النقد كي تستقر معدة قلوبنا، وتطمئن لحكم من يطعمنا مديحه، ونصاب جميعًا بمغص محرج للأمعاء الإنسانية إثر تناول وجبة كاملة من النقد اللاذع خالية من القدر المسموح من التقدير أو الملح .. أقصد المدح .


فللميزان كفتان ولكل منا أذنان وعينان ورأس واحدة وقلب واحد وما بين العقل والنصح و المشاعر والتلطف يكمن حسن الكيل وعدل الميزان، والعاقل من يزن ويتذوق ما يأكله قبل بلعه والأحمق هو من يأكل أي شيء طالما أخبره من أهداه له أنه " حلو يستاهل حلاوة فمه " .


كل التضخيمات في المدح أو النقد لا تخدم إصلاحاً و لا تحقق نصحاً " وإذا قلتم فاعدلوا " فالعدل يجافي كل تضخيم، اللهم ارزقنا مدحاً نستحقه ونسعى لتأكيده وعافنا وابعد عنا نقداً لاذعاً يثبط همتنا ويهد عزيمتنا .