"قط وفار".. كوميديا للسلطة والمهمشين بنكهة وحيد حامد
"قط وفار" حالة جديدة يعود بها المتألق وحيد حامد للسينما من جديد، ليمتع المشاهد بفيلم يعتمد على كوميديا الموقف، من خلال لعبة القط والفأر بين السلطة والمواطن.
وتدور الأحداث من خلال شخصيتي حمادة الفار "محمد فراج"، وعباس القط "محمود حميدة"، وبدت المشاهد وكأنها تقطيعات كوميكس للأحداث التي مرت بها مصر، بداية من عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي ظهرت صورته في عدد من مشاهد الفيلم تعبيرا عن الفترة الزمنية التي ترصدها الأحداث في ليلة "عيد الحب"، وترك المؤلف النهاية مفتوحة لخيال المتلقي ليعقد مقارنة بين الفترات التي سبقت هذه المرحلة وما أعقبها من أحداث.
ونجح السيناريست وحيد حامد في تقديم التدرج الدرامي فى إطار اجتماعي إنساني، يستعرض من خلاله الصراع بين الكبار والصغار في المجتمع بأسلوب ساخر، كما تعود في أفلامه التي دائما ما تبدأ بفكرة بسيطة تهم المشاهد ثم يتعمق بها ليصل لرسالة الفيلم التي تمس حياة المواطن المصري البسيط..
وقدم وحيد حامد دراما الفيلم في خطين متوازيين، الأول خاص بالشعب وحياته البسيطة، من خلال "حمادة الفار" الشاب الخجول الذي يعاني من نظرة أهل الحارة التي يعيش بها لوالدته – سوسن بدر - التي يلهث وراءها الجميع بحثا عن رضاها عنهم، نظرا لتعدد زيجاتها، بالإضافة لعدم قدرته على البوح بحبه لزميلته التي تعمل معه في إحدى المؤسسات الصحفية الكبرى.
أما الخط الثاني فهو الخاص بالسلطة، ممثلة في وزير داخليتها "عباس القط" الذي يدخل في عدد من الصراعات بسبب حفل زفاف نجلته الذي دعا لحضوره كبار المسؤولين بالدولة، وتظهر قدرة وحيد حامد في خلق الصراعات الدرامية بين شخصيات أعماله، وتبدأ الأحداث تصاعدها الدرامي بوفاة والدة "حمادة الفار" ابنة عم وزير الداخلية داخل قصره، في أثناء رقصها لنجلته التي قامت بتربيتها منذ الصغر.
وتتشابك الخيوط الدرامية وباستدعاء الوزير لـ "حمادة" لاستلام جثمان والدته وترك عمله لأنها ستفسد عليهم فرحهم، ويحاول رئيس المؤسسة الصحفية تقديم خدماته للسلطة بأي شكل من الأشكال فيلجأ لحيلة بسيطة ويشيع خبر وفاة والدة "حمادة" نجلة عم الوزير، فيتسبب في حدوث ورطة لـ"عباس القط" الذي علم بالتغييرات الوزارية التي سيتم إجراؤها خلال أيام، ورغبته في مرور الأزمة التي وقع بها بالصدفة، فينصح رئيس التحرير الوزير بعد انتشار الشائعة بضرورة تأجيل حفل الزفاف واسترداد جثة والدة حمادة ليتم دفنها في موقف مهيب، بعد تغيير هيئة "حمادة" لتناسب حضور مراسم الدفن من أهل السلطة وتدرييبه على كيفية التعامل معهم.
وفي نفس التوقيت يحاول أهل الحارة من عشاق والدة "حمادة الفار" إقامة جنازتها في الحارة التي نشأت بها، ويكتشف حمادة خديعة وزير الداخلية ورئيس التحرير له، فيدبر مكيدة للإيقاع بالوزير الذي قام باستبدال جثمان والدته ويكسب معركته ضد السلطة ويدخل أهل الحارة قصر الوزير.
وتنتهي الأحداث بالإعلان عن زفاف "حمادة الفار" من الفتاة التي يحبها إنجابه منها، وقيامه بزيارة قبر والدته وإهدائها وردة حمراء في عيد الحب.
وتميز المخرج تامر محسن في فيلمه الروائي الطويل الأول على المستوى البصري، حيث نجح في رسم صورة بصرية للأحداث تجذب عين المشاهد، وتجعله منتبها طوال مدة الفيلم، من خلال إيقاع متسارع يعبر عن الحالة الكوميدية التي تطغى على الأحداث.
كما برع الفنان محمود حميدة في تقديم شخصية وزير الداخلية بامتياز، حيث وضع عددا كبيرا من التفاصيل على الشخصية التي قدمت مرات عديدة في السينما والدراما المصرية، ليخرج للمشاهد بإطار جديد للشخصية التي تعبر عن السلطة وتتنكر لأصولها.
ورغم محاولات الفنان الشاب محمد فراج لمزج شخصية حمادة الفار بعدد من الشخصيات التي تم تقديمها في السينما الأمريكية والأوروبية، إلا أنه كان موفقا بقدر كبير في تقديمها في إطارها المصري بما لا يخل بالدراما الرئيسية للفيلم.
وتميز أداء الممثلة السورية سوزان نجم الدين بالبساطة، رغم أنها تظهر بشخصية زوجة متعالية، وكان الدور بعيدا عن الافتعال والضجيج الذي يسيطر علي عدد من الفنانين العرب رغم السنوات الطويلة التي قضوها بمصر، ورغم الأخطاء البسيطة التي وقعت فيها "سوزان" في اللهجة المصرية، إلا أنها قدمت شخصيتها باقتدار.
وكعادتها تألقت الفنانة "سوسن بدر" في نسج ملامح شخصية المرأة التي تعيش في منطقة شعبية، ونسجت بعدا إنسانيا موفقا للشخصية، رغم نفور البعض من فكرة التعامل مع امرأة متعددة الزيجات داخل المجتمع الشرقي.
ويعد الفيلم بشكل عام حالة سينمائية خاصة، يصورها المبدع وحيد حامد، الذي يغوص دوما في مجتمع البسطاء والمهمشين، ويرصد الصراع الدائر بين المواطن والدولة.