رحلة إلى المطبخ العربي (1)
بشكل عام، أنا من محبات الطعام، ودائما ما تجدُ عندي شغفا بتجربة الأطباق الجديدة والمميزة والبحث عنها. أُحبُ المطبخ وأعتبره ليس مجرد مذاق بقدر ما هو فن شديد الخصوصية، له متابعوه وجمهوره كالموسيقى والزخرفة، له أصول وأُسُس، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحضارة الإنسان وتطوره على مر العصور، تجاوزت ألوانه وأشكاله ونكهاته الحدود، فأصبح خير سفير لتمثيل أوطانه.
أقبلت الشعوب على تذوقه وتعلُّم فنونه، كما تأثر بجيرانه ومحتليه وضيوفه وأثر فيهم أيضًا، ويعد تأريخًا في حد ذاته لحضارات البلاد. وبحكم اعتزازي بالطعام وشغفي بالتعرف على الأطباق المختلفة والمتنوعة، هنا أنا أتجول بين مطابخ الوطن العربي وأحكي عن بعض تجاربي معها، وبحثي عن أسرارها
منطقة المغرب العربي:
في المطعم المغربي بفندق "سوفيتيل الجزيرة" بالقاهرة، يُمكن لك الاستمتاع بأكلات المغرب العربي، من أشهر أطباقها "الكسكس" وهو العنصر الأساسي في النظام الغذائي لهذه المنطقة بشكل عام، والذي ذكره شارل أندري جوليان في كتابه "تاريخ إفريقيا الشمالية"، وطبق "البسطيلة"، و"الطاجين" الذي تمتد أصوله إلى المطبخ الأمازيغي القديم.
يذكر هنا أن منطقة شمال إفريقيا تتمتع باختلافات جغرافية، سياسية، اجتماعية، اقتصادية، وثقافية بدرجة كبيرة مما أثر بالطبع على المطابخ الخاصة بها وتنوع عادات الطهي.
يعتبر المطبخ المغربي الأكثر تنوعًا منذ القدم، وذلك لتفاعل المغرب مع حضارات باقي العالم لعدة قرون. هو مزيج من المطبخ الأمازيغي والعربي المغاربي، كما تأثر بثقافات البحر المتوسط والمطبخ الإفريقي.
واستقبل المطبخ المغربي تأثيرات من عدة جهات مختلفة؛ فقد تأثر بالمطابخ الأندلسية، والمطبخ العثماني، ومطابخ الهاربين من بغداد إلى المغرب في القرون الوسطى.
تتسم أطباق المطبخ المغربي بالمزج بين السكر والملح، وترحب بالفواكه المجففة التي تصنعها المغربيات في البيوت، والمكسرات والبهارات المختلفة. كما أن هناك زيوتا خاصة للطبخ لا يُستعمل غيرها، وأسرار كثيرة أخرى.
عمل الموقع الساحلي لبلاد المغرب العربي على البحر المتوسط، على تأثرهم أيضًا بالثقافة الأوروبية والتي تظهر بوضوح في مطابخ الجزائر والمغرب وغيرها.
فالجزائر، وهي ثاني أكبر دولة في قارة إفريقيا، ويعتبر مطبخها مطبخًا انتقائيًا بسبب اختلاف التأثيرات عليه، تعد الأكلات لذيذة بشكل ملحوظ، وتستخدم توابل مثل الكمون، الكراوية، الكزبرة، والشمر بشكل مميز لها.
وتشتق أصول المطبخ الجزائري من المطبخ الأمازيغي التقليدي، والمطبخ التركي بما فيه من مشاوي وحلويات، وأيضًا المطبخ الإسباني وتأثيره على طبخ الأسماك، والمطبخ الإيطالي، والمطبخ العربي وأسرار مطابخ بغداد والقاهرة، والمطبخ الفرنسي وتأثيره البسيط رغم طول بقائه، والمطبخ الأمازيغي القديم.
كباقي مطابخ المغرب العربي، يعتبر "الكسكس" هو الطبق الرئيسي في الجزائر، ويعتمد المواطن الجزائري بشكل أساسي على البطاطا والحليب والكثير من العناصر الغذائية الأخرى، فتنفق السلطات الجزائرية نحو 600 مليون دولار سنويًا لسد الاحتياجات المتزايدة من الحليب.
مصر والسودان:
تشترك مصر والسودان في الكثير من الأحداث التاريخية كالاحتلال الإنجليزي وأزمة الحكم الثنائي، كما جمعتهما صداقة طويلة المدى على مر السنين مما أسهو في وجود تشابهات عديدة ثقافية وحضارية واجتماعية بينهما، مما ظهر -قطعًا- متمثلًا في مطابخ كل منهما.
يقول جمال حمدان في كتابه "شخصية مصر"، أن المطبخ المصري يعكس التاريخ الديموغرافي والهيكل السكاني. ويمكن مراجعة تاريخ المطبخ المصري ومميزاته والعادات والتقاليد المميزة له من هنا.
أما المطبخ السوداني، فتأثر بالحضارات المختلفة التي مرت على السودان عبر التاريخ، خاصة الحضارة المصرية والأرثوذوكسية. كما تأثر أيضًا بالسكان الأفارقة، ومرور التجار العرب في عهد الإمبراطورية العثمانية، والذين أدخلوا التوابل المختلفة. كما تأثر بالشام من حيث أتى بالحلويات المختلفة.
ومن المغرب لمصر والسودان كنا قد قطعنا شوطًا في الوطن العربي، ولكنّه لم يتطرق لكنوز الشام أو موائد الخليج العامرة. وللحديث بقية..