الرجل الآخر
"هم الرجالة كده!" جملة تستخدمها النساء عادة لختام أي نقاش عن سيئات الرجال. في هذا الجزء من العالم، وفي غيره، تميل النساء أحيانًا لتسطيح القضايا وتعميم التجارب من أجل سهولة التعامل مع المواقف.
فيصبح الرجل، أي رجل، كائن أناني محب للسيطرة غير قادر على منح الحب. وهو كائن قاسي القلب وخائن بالفطرة ولا يمكن ائتمانه على أي شيء. وهو بالضرورة حسي لا يعرف من المشاعر إلا الرغبة الجنسية التي يتبعها دون تفكير.
تميل النساء، أحيانًا، لاعتبار الرجال كائنات شريرة لا يُرجى إصلاحها وهو تسطيح وتعميم يجعل حياتهن أسهل.
لكن للحقيقة أوجه أخرى أكثر عمقًا من هذا الاستنتاج المريح.
في الحقيقة أن الرجال مثلهم مثل النساء. كائنات لها مشاعر وأفكار ورغبات. تحلم كما تحلم النساء، تخطط كما تخطط النساء وتفشل كما تفشل النساء. ورغم الفروق الواضحة بين الرجال والنساء سواء في الشكل أو المضمون، إلا أن هذه الفروق لا تجعل منهم كائنات شريرة على الإطلاق ولا كائنات طيبة على الإطلاق.
فالرجال كما النساء، من بني آدم، فيهم من الشر والطيبة درجات مختلفة.
في هذا الجزء من العالم، وعلى الرغم من الأفكار الذكورية المنتشرة، إلا أن الرجال يعانون من نتائج تلك الأفكار مثلهم في ذلك مثل النساء.
فالرجل مثلًا يُفترض فيه تحمل المسؤولية بصفته رجل. يُتوقع منه دائمًا أن يكون مصدرا للأمان والاحتواء. يُنتظر منه أن يكون "ضل" أهم من "ضل الحيطة"، رغم أن عليه أن يوفر "ضل الحيطة" أيضًا.
يُصارع رجال هذا الجزء من العالم كما تصارع النساء من أجل حرية اختيار الشريك. فرغم ما يُفترض بأن الرجل هو الفاعل في قرار الزواج إلا أن قرار الزواج ليس له أي علاقة لا برجل ولا بامرأة. قرار الزواج قرار "قومي"، للأسر فيه الكلمة العليا إلا في حالات قليلة. وإن كنت تظن أن أسر الفتيات هي المشكلة، تذكر إن بعض الظن إثم. فأسر الرجال تلعب دورا مساويا وإنْ لم يكن أكبر في "تعطيل المراكب السايرة".
وإن كنت تظن أن قطار الزواج مخصص للبنات فقط، فعليك أن تطرد ظنونك. فالرجال أيضًا يفوتهم القطار! وحتى لا يفوتهم القطار يتم الضغط على كل بالغ قادر على الزواج من أجل الزواج.
تبدأ الأمهات في استخدام سلاح الزن، ومن بعدهن القريبات اللائي يسمح سنهن بتقديم النصيحة. قد يتدخل الآباء أحيانًا ببعض خلاصة حكمتهم في الحياة. وفي نفس الوقت يبدأ الأصدقاء في التساقط واحدا تلو الآخر في المصيدة ويواجه الشاب ما تواجهه الفتاة من ضغط الأقران.
فإن نجا من ذلك كله وقارب الأربعين دون زواج، يُصبح عليه أن يُثبت أنه ليس "منحرفًا أو منحرفًا"!
فحتى وإن تسامح المجتمع مع بعض الانحراف الأول واعتبره "طيش شباب"، فهو لن يتسامح أبدًا مع الانحراف الثاني الذي لا تمحوه إلا شهادة امرأة آناء الليل وأطراف النهار.
فينصاع الرجل، مثله في ذلك مثل المرأة، للأنماط. ويحاول أن يتصرف كما يُتوقع منه أن يتصرف.
ومنها أن يصبح ذلك الكائن الأناني، قاسي القلب، الذي لا يعرف من الحب إلا الرغبة. الشرير الذي تعرفه النساء جيدًا ويعلمنّ أنه لا يُرجى إصلاحه ولكن لابد من معايشته!