التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 10:56 م , بتوقيت القاهرة

هل يدعو الإسلام حقا إلى قتل رسامي "شارلي إبدو"؟

قالت صحيفة "فاينانشال تايمز" إن مجلة شارلي إبدو اشتهرت بسخريتها من الكنيسة الكاثوليكية والمسلمين واليهود والتيار اليميني المتطرف في فرنسا، حتى أنها أثارت غضب كل الأطراف في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.


وأضافت الصحيفة أن المجلة  لم تستهدف المسلمين فقط، بل سخرت على مدى تاريخها من رموز مختلفة بعضها ديني، إلا أن الصدام الأول بينها وبين الجالية الإسلامية في فرنسا يرجع إلى عام 2006، عندما نشرت عددا بعنوان "شريعة إبدو" تضمن رسوما ساخرة من النبي محمد، الذي جعلته إدارة المجلة الشخصية المسؤولة عن تحرير العدد، ثم في يناير 2013 نشرت المجلة سيرة حياة النبي محمد في قصص مصورة من 65 صفحة.


استهداف الرسامين


يُذكر في تعريف الكاريكاتير أنه فن ساخر، يعتمد المبالغة بقصد السخرية والنقد الاجتماعي والسياسي، يرصد رسام الكاريكاتير واقعا ما حوله ليعبّر عنه بقدر من المبالغات، التي تحقق هدفه الساخر النقدي، عادة لا يُعجب الواحد بنُكتة هو بطلها، أو بمشهد يسخر منه أو من معتقده.


ولتنظيم الإعجاب والرفض بين الآراء المختلفة، كانت المادتين الثامنة عشر والتاسعة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلا أن الإعلان لم يصل لمنطقة الشرق الأوسط، مثلا تعرّض رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات لاعتداء اتهم مؤيدون للنظام السوري بالتورط فيه، خرج منه بإصابات وضلوع مكسّرة، وإصابة أخرى أشد قسوة، حيث كسّر المعتدون أصابع كفيه.


استخدم فرزات ساعتها سلاحه كرسام كاريكاتير للرد على الاعتداء، نفس الأسلوب الذي استخدمه رسّام الكاريكاتير المصري أنديل، للتعليق على حادث مقتل أحد رجال الدين الشيعة في الجيزة، على أيدي متشددين للسنة.


رجل الدين الشيعي قُتل لأنه في نظر بعض المتشددين مرتد، مخالف للشريعة ويجب إقامة حد الردة عليه.. ليست تلك الحادثة الوحيدة لقتل بسبب اعتقاد مخالف، عدة حوادث إرهابية لها علاقة بحرية التعبير أو حرية الاعتقاد تكررت خلال العام الماضي، مع صعود "داعش"، وسيطرته على أجزاء من العراق وسوريا، وفرضه قيود دينية على أهل المناطق تحت سيطرته، وإما الجزية لـ"أهل الكتاب"، وإما السبي أو القتل لمن غير ذلك.


بين الإسلام والعنف


يثير داعش والحركات الإسلامية المتشددة اتهام دائم للإسلام، حول هل يدعو الإسلام للعنف أم أن الإسلام براء من داعش وأمثاله؟ هل يدعو الإسلام للعنف؟


يجيب على هذا السؤال الكاتب والباحث السياسي السوري، ياسين الحاج صالح، في ورقة بحثية نشرها قبل أيام عبر منتدى الحوار المتمدن، شارحا ما روي عن علي بن أبي طالب "لا تخاصمهم بالقرآن، فإنه حمّال أوجه" حيث اعتبر القرآن نصًا جامعا، يجمع بين آيات "لا إكراه في الدين"، و"وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ"، التي تؤكد على نبذ الإكراه والاعتداء، بأن الله لا يحب المعتدين، وفي الوقت نفسه يحمل آيات " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"، و"وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ".


يقول صالح إن "الحركات التي مارست السيطرة متنوعة جدا، ومنتشرة في المجتمعات كلها، وفي العصور كلها، ولا يبدو أن منها من استغنى عن تبرير عنفه، أو عجز عن العثور على ما يبرره". ويضيف أن  "كلام المسيح في الإنجيل يخلو من الكلام عن الحرب والقتال، مع ذلك مارس مسيحيون مؤمنون العنف، باسم المسيح، ما هو جدير بانتزاع إعجاب الجهاديين الإسلاميين وإثارة حسدهم".


وينتقل ياسين الحاج صالح إلى ما هو أبعد من تفسير العنف من منطلق ديني، مفترضا أن "العنف ينتج من التمييز بين البشر، من ترتيبهم في مراتب بعضها أعلى من بعض، ولبعضهم من الحقوق أكثر من بعض، وحياة بعضهم أعز من حياة بعض آخر، منبع العنف هو الامتياز السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، ومقاومة العموم للممتازين وسعى الممتازون لاحتكار القوة والسلاح لضمان ديمومة امتيازاتهم".


ومن آيات التمييز في القرآن "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"، "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، التمييز هنا محمود، تمييز في العلم، غير أن بعض رجال الدين المتشددين لا يعترفون سوى بالعلم الشرعي، دون العلوم الطبيعية كعلامات تمييز بين البشر، وصار الواحد منهم مميزا عن حتى علماء الفيزياء الكونية، أو الرياضيات، ليصبح الأمر بين من يرون نفسهم أسمى من الآخرين، الإسلاميون المتشددون يرون ذواتهم أعلى مرتبة من غيرهم ويجدون التبريرات في دينهم، الدين الذي يضفي شرعية خيالية على عنفهم، هو نفسه الذي كفّهم عن الاعتداء على غيرهم.


ويؤكد صالح أنه "لا يجد الإسلاميون صعوبة في إيجاد ما يشرع عنفهم وحروبهم في المتون الإسلامية، لكن لو لم يجدوا لاخترعوا التبريرات المناسبة مثل غيرهم، ولا يبدو عموما أن الناس يحتاجون إلى نصوص مقدسة كي يحاربوا ويمارسوا العنف".