التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 01:39 ص , بتوقيت القاهرة

أنا والعذاب وهواك

في نص الخمسينات كده، محمد عبد الوهاب كان بـ يسمع الإذاعة، ولفت نظره صوت جديد، بـ يقرا النشرة، بس يبدو عليه إنه صوت طفلة، كان متخيل إنها بنت عندها 18 - 19 سنة، لـ حد ما شافها وعرف إنها آنسة كبيرة داخلة ع التلاتين، اسمها فضيلة توفيق.
فضيلة هـ تتعرف في تاريخنا بـ اسم "أبلة فضيلة"، وهي أخت الفنانة محسنة توفيق (بهية) اللي مكنتش لسه اتعرفت، وكانت أبلة فضيلة محامية، بس سابت المحاماة، وراحت تشتغل في الإذاعة علشان تستلم راية برامج الأطفال من بابا شارو.
المهم، عبد الوهاب حب أبلة فضيلة، حبها يعني حبها، وبدأ يطاردها، ولما استعصت عليه طلبها للجواز، فـ رفضت، وأهلها رفضوا، على أساس إن عبوهاب متجوز وعنده عيال، بس هو فضل فترة مش يائس، لدرجة إنها سابت البلد فترة وراحت عاشت في روما.
كان عبوهاب في الفترة دي له صديق هو التاني كان عايش فـ البلالا، كان بـ يحب مديحة يسري، لدرجة إنه سمى بنته مديحة، وكتب فيها أغاني كتير يمكن أشهرها جميل وأسمر بتاعة محمد قنديل. الصديق ده هو عبمنعم السباعي.
السباعي كان ظابط من الظباط الأحرار يا علي، ومالوش علاقة بـ يوسف السباعي، اللي كان برضه أحرار يا علي، وزي ما احنا عارفين، إن الظباط الأحرار اتوزعوا على مؤسسات البلد بعد 1952، وكتير منهم ساب الجيش واشتغل فـ حاجات تانية، ومؤسسات الثقافة والفن والإبداع اتملت ظباط أحرار، بعضهم أبدع، وبعضهم خدها بالدراع، وبعضهم عاش كافي خيره شره راضي بالوظيفة علشان يربي العيال.
السباعي كان نصيبه يشتغل في روز اليوسف، وبعدها الجمهورية، وكان مسئول باب قلوب حائرة، وكان ماسك صندوق الشكاوى في الإذاعة، وكتب له ييجي 150 أغنية أهمهم أروح لمين بتاعة أم كلثوم، وهو اللي كتب فيلم "إسماعيل يس في الجيش، بس مع بدايات الستينات اعتزل الحياة العامة فجأة.
اتلم محمد عبد الوهاب على عبد المنعم السباعي، وبدؤوا يشكوا همهم لـ بعض، وكلمة من هنا كلمة من هناكـ، كانت النتيجة أغنية: أنا والعذاب وهواك عايشين لـ بعضينا.
بس الفكرة هنا مش حكاية الغنوة دي بس، لكن محاولة نقل الوسط اللي الفنانين كانوا شغالين فيه، مساحة الروقان اللي تخلي الناس تحب وتتحب، وتتعذب، وتفن وهي سايبة إيديها، دي حاجة ما بقتش متوفرة ولا حتى لأنجم النجوم.
الحكاية فيه منها كتير، عباس العقاد حب أليس داغر سنين، وقعد يراقبها شهور، وفـ الآخر كتب رواية سارة. إبراهيم ناجي فضل يحب زوزو حمدي الحكيم (سكينة في فيلم صلاح أبو سيف) فترة، وكتب لها الأطلال. بالمناسبة زوزو كانت مزة السنين أول ما اتخرجت سنة 1932، وكانت الرجالة عليها بالطوابير، لدرجة إن محمد التابعي بجلالة قدره اتجوزها فترة.
أسماء كتير وقصص أكتر، والسبب في ده كله إن المجتمع لـ حد الستينات كان مقسوم لـ نخبة عايشة حياة زي ما حضرتك شايف، وجماهير عريضة تسأل الله حق النشوق. تخيل إن أول فلوس قبضها أنيس منصور من الصحافة اشترى بيها شقة فـ الزمالك، وإنهم وفروا له أنه يلف حوالين العالم، ويرجع يكتب اللي شافه (وأحيانا اللي ما شافوش).
الحمد لله بعد ما يوليو تمكنت بقينا كلنا جماهير عريضة نسأل الله حق النشوق، مع إن النشوق نفسه اختفى، والنخبة اختفت، وحل محلها نخبة تانية، جايز عندها فلوس، بس معندهاش حكايات تتحكي في الغالب، أو فيه حكايات بس ممكن تتقري في صفحة الحوادث، اللهم احفظنا.