التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 04:55 ص , بتوقيت القاهرة

"كلية فيكتوريا" كتاب يروي أسرار وتاريخ مدرسة الملوك والمشاهير

صدر عن دار "جداول" اللبنانية للصحفية والباحثة داليا عاصم كتاب "كلية فيكتوريا.. صناعة الملوك والأمراء والمشاهير"، يوثق الكتاب لتاريخ تلك المدرسة الفريدة التي شيدها أفراد الجاليتين اليهودية والإنجليزية في الإسكندرية عام 1901، ودرس بها طلاب من 55 جنسية، واستغلتها بريطانيا لكي تكون قلعة للتجسس على الشرق الأوسط وإفريقيا والعائلات الحاكمة فيهما. 


وتقول الكاتبة "حاولت كشف التاريخ الإنساني والاجتماعي المجهول لفيكتوريا كوليدج، عبر رصد العلاقات ما بين المعلمين الإنجليز والطلاب من مختلف أنحاء العالم، تلك العلاقات التي جعلت منها ظاهرة لن تتكرر، تعكس ما كانت عليه الإسكندرية الكوزموبوليتانية وصورة المجتمع المصري بشكل عام".
 
تتطرق داليا عاصم لسيرة كلية فيكتوريا عبر 111 عاما، منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن، وتروي كيف كان اللورد كرومر، أول معتمد بريطاني في مصر، معارضا لتشييدها وتعليم المصريين، ثم وافق لأن المدرسة الجديدة تتوافق مع سياسته التي ترتكز  على محو التعليم الفرنسي من مصر مع الحد من تعليم الفقراء، حيث ألغى مجانية التعليم في مصر عام 1902. 


وتستكمل في الفصل الأول من الكتاب تفاصيل تشييد المدرسة وبدايتها في الأزاريطة بالشاطبي، وجلبها لأمهر المدرسين من خريجي كامبريدج وأوكسفورد، ثم انتقالها إلى السيوف على مساحة 18 فدانا.



 
وفي الفصل الثاني تستعرض قوانين تلك المدرسة التي وصفتها بأنها "القلعة البريطانية في الإسكندرية"، حيث كان المصريون ينظرون لها باعتبارها مكان مهيب مخصص لأبناء الملوك والأمراء، فهي التي درس بها الأمير عبد الإله ولي عهد العراق، والأمير عبد الله وفيصل آل سعود، والشيخ كمال أدهم مؤسس المخابرات السعودية، وعائلة عبداللطيف الجميل، عائلة بن لادن، وعائلات الشبكشي والشربتلي والشوربجي، وأبناء الملك السنوسي من ليبيا، وعائلات المهدي والميرغني من السودان، وعائلات غندور والصلح من لبنان، وجلالة الملك حسين من الأردن، والأمراء زيد بن شاكر ورعد بن زيد. 


وتقول الكاتبة "كلية الملوك والأمراء والمشاهير اسم لم يأت من فراغ، فبين سجلات طلاب الكلية قوائم من الملوك والأمراء العرب والأوروبيين، كل هؤلاء درسوا في فيكتوريا كوليدج تحت شعار معا كلنا واحد، وكانت القصور الملكية العربية تلجأ لمدير كلية فيكتوريا مستر رالف رييد Reed لاستشارته في كيفية تثقيف الأمراء العرب وإعدادهم كملوك في المستقبل". 


وهنا تكشف المؤلفة كيف كان مستر رييد حازما جدا لدرجة أنه رفض وساطة الملك فاروق لطارق ابن حسنين باشا، لكي يعود للدراسة مرة أخرى بعد فصله بسبب سوء تصرفه ومخالفته لقواعد الكلية.
 
وتبرز داليا عاصم كيف كانت الكلية تحرم على الطلاب الحديث في الدين أو السياسة، وكانت تحرص على أن يكون انتماؤهم للكلية فقط، وأطلق على أوائل الخريجين من الكلية "الفيكتوريين القدامى" Old Victorians، وتكشف أن فيكتوريا كوليدج كان لها الفضل في أن تضم أول فريق كشافة على مستوى الشرق الأوسط  عام 1912، حيث زارها مؤسس الحركة الكشفية العالمية اللورد بادن باول.  
 
كما تأخذ الكاتبة القارئ في جولة بين أروقة الكلية العريقة بداية من مكتبتها التي أسست عام 1904 والتي تضم كتبا عمرها 100 عام، وملاعب الكلية الشاسعة واهتمامها البالغ بممارسة الطلاب للرياضة وتخصيص يوم رياضي سنويا، ومسرح الكلية الذي ظهرت على خشبته مواهب عمر الشريف وأحمد رمزي ويوسف شاهين وتوفيق صالح وشادي عبدالسلام وغيرهم الكثيرين.
 
وتلفت داليا عاصم إلى طرق العقاب التي كانت تطبقها فيكتوريا كوليدج على الطلاب الذين هم من علية القوم، ولم يمنع ذلك الكلية من تنفيذ طرق صارمة لتقويم الطلاب، فكان عقاب الفصل من الكلية لعدم الالتزام، أما في حالة ممارسة الطالب لأي سلوك غير لائق أثناء ارتدائه لزي المدرسة حتى ولو كان خارج الكلية، مثل تدخين السجائر  خارج الكلية أو في المواصلات العامة.
 
عقاب الملك حسين


كانت المدرسة لا تفرق في العقاب بين ذوي الدماء الملكية وغيرهم لذا حينما أخطأ الملك حسين وخالف قوانين الكلية بتحدث اللغة العربية في فناء المدرسة طلب المدير من قائد الفصل وهو يوناني سكندري، أن يعاقبه وبالفعل نفذ الملك الصغير العقاب وقام بجمع الأوراق المتطايرة في فناء المدرسة وتنظيفه منها تماما، ولم يبد الملك اعتراضا أو ضيقا بل نفذ الأمر كما طلب منه.


وكان من شدة حبه لكلية فيكتوريا وحزنه على حالها بعد التأميم، قام بزيارة خاصة للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في قصر رأس التين الملكي بالإسكندرية مع وفد ملكي أردني من خريجي الكلية أيضا، لكي يطلب منه شرائها من الحكومة المصرية لكي يعتني بها، لكن مبارك رفض طلبه، فكان رد فعل الملك حسين أنه قرر تأسيس كلية هي توأم فيكتوريا كوليدج الإسكندرية في بلدة " تلاع العلي" بالأردن بنفس القوانين والزي المدرسي، وكان يدعي إليها جميع زملائه في الدراسة من الإسكندرية لإحياء ذكريات أيام الدراسة. 


كما تروي عاصم المزيد من حكايات الملك حسين في الكلية في الفصل الخامس من الكتاب بعنوان" جلالة الملك حسين ..حكايات إنسانية داخل الكلية" تتطرق فيه لعلاقته مع المدرسين وزملائه والعاملين بالمدرسة. 
 
أما في الفصل الثالث " فيكتوريا في مهب الحروب العالمية" تستمر الكاتبة في سرد تاريخ فكيتوريا كوليدج المميز عن سائر المدارس، وكيف أثرت الحرب التي خاضتها بريطانيا على تحول الكلية إلى ثكنة عسكرية إبان الحربين العالميتين، وكيف أن الدراسة لم تتوقف فيها وتم نقل الطلاب إلى فندق سان ستيفانو ساردة للطرائف التي أحدثها وجود طلاب مع نزلاء الفندق.


وتروي أيضا قصة انتقال الكلية إلى القاهرة وافتتاح فرع شبرا مع كثافة الغارات الجوية على الإسكندرية من قبل القوات الألمانية والايطالية، ثم تروي مراحل تدهور الكلية عقب تأميمها وانهيار النظام الصارم وقوانين المدرسة التي كانت تطبق على الطلاب، ومن التغيرات أيضا دخول مادة الدين ضمن المقررات الرسمية واعتباره مادة نجاح ورسوب، وأيضا اختفاء تدريس مادة الدين اليهودي ، حيث كانت تُدرس الأديان الثلاثة.



 
وفي الفصل الرابع تضيء الكاتبة واحدة من أهم مثالب كلية فيكتوريا، حيث أنها خلعت الطلاب من جذورهم الثقافية وعاداتهم وتقاليدهم، فقد كان الطلاب يدرسون تاريخ أوروبا ويمجدون الملكة فيكتوريا، مما تسبب في حالة من "الاغتراب" لعدد من الطلاب، وأخذت عاصم نماذج من أبرز الطلاب الذين انقلبوا على الامبريالية والكولونيالية البريطانية، ومنهم إدوارد سعيد ووجيه غالي وأجرت حوار مع الإمام الصادق المهدي، رئيس وزراء السودان الأسبق، الذي كان الأكثر ثورية في ردة فعله تجاه فيكتوريا كوليدج.
 
وقدمت في الفصل السادس نماذج لشخصيات مؤثرة في فضاء كلية فيكتوريا من المعلمين البريطانيين والمصريين، وتناول الفصل السابع أبرز خريجي فيكتوريا كوليدج على مدار قرن من الزمان ومنهم جورج أنطونيوس، والسير مايكل عطيه، ومحمد مفيد الشوباشي، وفرغلي باشا،  والملك سيمون الثاني ملك بلغاريا، والمخرج يوسف شاهين وعمر الشريف وأحمد رمزي وشادي عبد السلام وتوفيق صالح الذين عرضت لصور نادرة لهم أيام الدراسة، فضلا عن عدنان خاشقجي وغسان شاكر.
 
وأفردت داليا عاصم الفصل الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر لشهادات خريجي كلية فيكتوريا التي وثقتها عبر حوارات مطولة معهم عن ذكرياتهم مع المعلمين الإنجليز، محاولة الإجابة عن تساؤلات هامة، ألا وهي: ما الذي جعل فيكتوريا كوليدج تنفرد بهذا الكم من الخريجين اللامعين في كافة المجالات؟ وما الذي يميزها عن المدارس الأخرى في الشرق الأوسط؟ وهل كانت حقا قلعة استخباراتية في مصر؟ وهل قامت فيكتوريا كوليدج بعمل غسيل أدمغة لطلابها؟ وهل حقا فقد الطلاب انتمائهم وولائهم لوطنهم؟


ومن أبرز من حاورتهم داليا عاصم وسردوا معها أجمل ذكريات الدراسة: الكاتب الكبير محمد سلماوي، السياسي البارز الراحل منصور حسن، والفنان سمير صبري، ورجل الأعمال اليوناني المصري ميشيل ماركو، والمحامي المرموق أكرم النقيب نجل الملكة ناريمان، والمعماري الكبير د. محمد عوض، والإعلامي الكبير د. إبراهيم الكرداني، والمهندس الأردني عبد الفتاح طوقان، والخبير الأثري بسام الشماع، ورجل الأعمال المصري الأمريكي مروان الشماع، والمهندس علي صالح المسئول عن جمعية خريجي فيكتوريا بالقاهرة، والدكتورة سحر حمودة وعدد كبير من خريجي الكلية في الإسكندرية والقاهرة.


وذيل الكتاب بملحق من الصور النادرة والتاريخية لأبرز الشخصيات المؤثرة في تاريخ الكلية وصور لبعض الوثائق النادرة وملفات الخريجين والخطابات التي كان يتبادلها مدير الكلية مع ملوك الشرق الأوسط وأفريقيا، وصور جماعية للخريجين في مناسبات مختلفة.


الكتاب: كلية فيكتوريا.. صناعة الملوك والأمراء والمشاهير
المؤلف: داليا عاصم
دار النشر: جداول للنشر والترجمة والتوزيع، لبنان
سنة النشر : 2014
عدد الصفحات: 360