التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 06:38 م , بتوقيت القاهرة

عفوًا.. لقد تمت محاربة الفِكر البهائي من قبل

كتبت- شيرين ثابت

قرأت بالأمس خبرًا طريفًا، "أعلنت وزارة الأوقاف عن بدء دورة مناقشة ومحاربة الفكر البهائي، الأربعاء والخميس المقبلين، بالقاعة الكبرى بمسجد النور بالعباسية".

كان هذا هو نص الخبر الذي تداولته المواقع الإخبارية.. مصر، أو وزارة الأوقاف شخصيًا، بصفتها الرسمية، تقدم دورات تدريبية، كورسات، لتحارب فكرا بعينه.

فكرت أن أبحث عن تلك الجماعة المزعوم خطر وجودها أو اعتناقها لفِكر يستحق الحرب، لست معنية أو مهتمة بإثبات صحة فكر معين، ولكني علمت عن قرار الأوقاف بمحاربة الفكر التي تعتنقه تلك الطائفة، وكأنه لا تتم محاربته بالفعل منذ سنوات طويلة.

من هم البهائيون؟

مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشؤونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية. المادة الثالثة للدستور المصري. 

وسط تكبيرات وتهليلات، قامت المحكمة في 16 ديسمبر 2006 بإجبار البهائيين على اختيار أحد الديانات السماوية الثلاث لتُكتب في بطاقة الرقم القومي، وكانت تلك اللحظة حلقة من سلسلة طويلة من قضية لا يعلم عنها أحد. لم تقتصر الأزمة أبدا على وجود اسم المعتقد على ورق مقوى يدعى الرقم القومي، أو ممارسة حقوق بعينها. بدأت القضية قبل سنوات طويلة.

احتفل البهائيون المصريون في العام الماضي بمرور مائة عام على الزيارة الثانية لعبد البهاء – الابن الأكبر لبهاء الله– إلى مصر والتي أقام بها لأشهر عديدة، قطعاً في سكون تام لما يتطلبه شغف المصريين بعدم السماع عن وجود البهائيين أصلا، بينما يجاهرون في الانخراط في المشاركة في كتابة الدستور بدعوة من د.عمرو موسى رئيس لجنة الـ50 لمناقشة مقترحاتهم المتمثلة في تعديل بعض المواد التي تستهدف حقوقهم في المواطنة، وإدخال البعض الآخر كالمادة 18 من العهود الدولية للحقوق المدنية والسياسية والتي تكفل حرية الاعتقاد والفكر والدين كما يجب الاستغناء عن المادة 219 والتي تعادي حرية الفكر والاعتقاد والاكتفاء بالمادة الثانية من دستور 1971 على أن تكفل لغير المسلمين الاحتكام إلى شرائعهم.

أول فيلم تسجيلي عن البهائيين ومشاكلهم في مصر، أنتجه وأخرجه المخرج أحمد عزت وهو مصريّ مهتم بقضايا حقوقية وليس بهائيًا:

 

 
 
 
 
 
  00:00           
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
00:00
 00:00
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
         
 
 

 

 يبدأ تاريخ البهائية في مصر تحديدًا بحلول عام 1860 عن طريق تجار قادمين من إيران بدأوا بنشر مبادئ البهائية، الزيارة الأولى لعبد البهاء لمصر كانت في سبتمبر عام 1910، بعد وقت قصير من إطلاق سراحه من السجن، التقى خلال تلك الزيارة عددا من المثقفين والشخصيات المؤثرة الأخرى أبرزهم محمد عبده، الذي كان قد أمضى بعض الوقت معه في بيروت عام 1880.

  من الألف إلى الياء:

بدأت الطائفة البهائية في الزيادة بمصر خلال الفترة من مطلع القرن إلى منتصف 1920، وشملت الأفراد من الأقليات، مثل الطائفة الكردية والقبطية والأرمينية الأصل. وفي عام 1924 تم تشكيل الجمعية الروحية الوطنية للبهائيين في مصر والتي تُمثل أعلى هيئة إدارية على المستوى الوطني في العقيدة البهائية.

لم تكن السلطات تحجُر على معتنقي البهائية في ذلك الوقت، ففي عام 1934 خصصت السلطات أربعة أماكن لتكون بمثابة المقابر البهائية في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد، والإسماعيلية، ذلك بعد عدم قانونية دفن البهائيين في مقابر المسلمين.

وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت الاحتفالات والمهرجانات والاجتماعات العامة للبهائيين تُتاح للجمهور من المسلمين والمسيحيين، كذلك تأسست المكتبات البهائية في العديد من المدن، وأنشئت أيضا العديد من المقابر البهائية.

وبحلول أواخر 1950 تم إنشاء المجالس المحلية البهائية في 13 مدينة وبلدة، وبحسب أحد التقديرات، كان هناك أكثر من 5000 بهائي في مصر في هذا الوقت.

 

ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ففجأة وبدون سابق إنذار أصدر الرئيس جمال عبد الناصر المرسوم الرئاسي رقم 263 لعام 1960، والذي حمل القرار الجمهوري بحل المحافل البهائية في مصر، ومنع إقامة أي نشاط كانت تقوم به ومصادرة كل ممتلكات البهائيين العامة، وما زال معمولا به حتى الآن.

تدهورت العلاقة بين البهائيين والسلطات، ففي مايو 1965، ألقي القبض على 39 من البهائيين واتهموا بإعادة تأسيس إدارة البهائية ونشر العقيدة البهائية، وذلك بعد الاجتماعات التي عقدت في منازلهم لدعوة المسلمين لاعتناق البهائية. وفي أبريل عام 1967 أصدرت المحكمة الابتدائية في حي الزيتون حكماً أنه حتى تنظيم الدراسات التي تعتمد على الكتب البهائية أو تبادل المواد البهائية يُمكن أن يعاقب عليها مرسوم 1960.

وبعد نكسة يونيو عام 1967 تم القبض على عدد من البهائيين والحكم عليهم بالسجن لمدة ستة أشهر لاتهامهم بالتجسس لإسرائيل، وذلك لوقوع المركز البهائي العالمي في حيفا، وهو الاتهام الذي لازال قائما حتى الآن.

وفي فبراير عام 1985، ألقي القبض على 41 من البهائيين بتهمة تشغيل مجموعة تهدف إلى مقاومة المبادئ الأساسية للدولة.

ظلت القضية ساكنة حتى عام 2004 حين صدر القرار اللائحي بوجوب اختيار أحد الديانات الثلاث ليُكتب اسمها في خانة الديانة في بطاقات الرقم القومي. وبعد كبوة مر بها أصحاب العقيدة البهائية منذ عام 2007، حين تم إيقاف العمل ببطاقات الرقم القومي الخاصة بهم، في آغسطس 2009 تم إصدار حكم نهائي لصالح أصحاب الديانة البهائية في مصر لإدراج شرطة في خانة الديانة، والذي يعتبره شادي سمير صاحب مدونة بهائي مصري حكما تاريخيا وسبقا في تاريخ مصر، بالرغم من وجود بعض العقبات أمام تنفيذه بصورة سليمة كمشكلة زواج البهائيين، حيث إنه لا يتم التعرف على الزواج البهائي قانونا في مصر، ويعتبر زواجا غير معترف به مثل الزنا ويتم وصم الأطفال على أنها غير شرعية، كذلك المشكلات المتعلقة بالميراث، والمعاشات التقاعدية، والنفقة، ونفقة الطفل، والطلاق.

 

في 2011 آكد الدكتور رؤوف هندي، المتحدث باسم البهائيين في مصر، وأول بهائي يحصل على حكم بوضع شرطة في خانة الديانة بالبطاقة الشخصية بمؤتمر لعرض تقرير لجنة تقصى الحقائق عن الأحداث الطائفية في (قنا-أبو قرقاص-كرداسة) أن المواطنة والتي تعني أن المصريين جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات لا تتحقق بالرغم من تصدرها أول مواد الدستور بعيدًا، كل البعد، عن الواقع الملموس، جدير بالذكر أن رؤوف هندي قد حارب لمدة 5 سنوات لاسترداد حقه في الحصول على شهادات ميلاد لأبنائه.

وكأنَّ المشكلات التي أصبحت عادية، والتي تواجه الشعب البهائي أو تواجه أتباع أي عقيدة مختلفة غير سائدة، أصبحت غير كافية، فوجب علينا عمل كورسات لمحاربة فكر بعينه، أو للتغلب عليه.

إن دولة القانون والمؤسسات المزعوم التطلع إليها لا تعني التغافل عن وجود آخرين، لسنا وحيدين في هذا الصندوق، وأصحاب ديانة غير سائدة يصل عددهم إلى نحو 3 آلاف شخص، يفوق عددهم أضعاف عدد اليهود فى مصر والمعترف بهم وبممارسة حقوقهم دستورياً، أبسط حقوقهم الإجهار بما يعتنقون دون الخوف من خريجي الدورة التدريبية، أو محاربي الفكر المختلف عمومًا. وأخيرًا أريد من هيئة الأوقاف أن تطمئن، فالفكر البهائي تتم محاربته بالفعل منذ عقود. شكرًا جزيلًا.