ساعة حالكة.. الرجل الذي حشد اللغة الإنجليزية إلى الحرب في Darkest Hour
Darkest Hour ساعة حالكة
يركب رئيس الوزراء ونستون تشرشل المترو، ويختلط بالمواطنين الإنجليز، يجلس بجوار مواطن، فيشعر الأخير بالقلق، ويتفحصه بنظرات جانبية، قبل أن يحسم أمره، وينهض من جواره، ويجلس أمامه، في هذا المشهد الذي ابتكره كاتب السيناريو " أنتوني مكارتن" في فيلمه "Darkest Hour" الذي أنتجته شركة Working Title Films Limited الإنجليزية، يحسم رئيس الوزراء ونستون تشرشل، الذي لعب دوره "جارى أولد مان"، أمره تجاه ما يدعوه إليه خصومه السياسيين، وأعضاء حزبه، من الاستسلام والخنوع لهتلر، ودعوته إلى توقيع مفاوضات سلام.
بوستر فيلم Darkest Hour
في الفيلم الذي كتبه "مكارتن" مؤلف فيلم "نظرية كل شيء" عن عالم الفيزياء البريطاني ستفن هوكنج، المتوفي منذ بضعة أيام، نتعرف على وجه من أوجه رئيس الوزراء البريطاني الأشهر، تشرشل، الرجل الذي عرفنا عنه الكثير، الذي قاد أمة كادت أن تُهزم، إلى النصر في الحرب العالمية الثانية، الذي عاش فعلا أحلك ساعات حياته، وليس ساعة واحدة، بينما لندن تتعرض للقذف، فيخرج على أنقاضها، ويسير في إصرار ليقود الإنجليز إلى الانتصار، ويهتف في الإنجليز: جئتكم بالدم والكفاح والعرق.
جاري أولد مان وتشرشل الحقيقي
لن أكتب هنا عن تشرشل الحقيقي، لكني سأعبر مباشرة إلى الفيلم الممتع، أقول ممتع، على الرغم من أن جزئه الأول كان وثائقي أكثر، وليس درامي، قائد أمة، تولى منصبه، وسط أجواء عاصفة، خصومة سياسية بالغة الشراسة، رجال يتطلعون إلى مقعده، ويحجمون، وآخرون يُجبرون على ترك المقعد، لكنهم مع ذلك يهيمنون على الأغلبية، رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبلرين يتم إجباره على الاستقالة من منصبه في أولى مشاهد الفيلم، أوروبا في وضع فادح، والعدو يجتاح بلجيكا، تشرشل في سريره يكتب رسالة إلى الفرنسيين يطالبهم بالصمود والدفاع عن بلجيكا، لكن الألمان يسبقون رسالته، ويحتلون بلجيكا بالفعل، ثم يتلقى استدعاء من الملك جورج السادس، الذي يطلب منه أن يشكل الحكومة، بعد إجبار تشامبلرين على الاستقالة.
هل هذا يعني أن تشامبلرين لم يعد هناك؟
في مجلس العموم البريطاني، يلقي تشرشل خطابه الأول، في الفيلم يخرج تشامبلرين منديله ويضعه على ركبته، لكنه لا يلوح به، وهي الإشارة التي تعني أن يؤيده أعضاء حزب تشرشل، حزب المحافظين، فالحزب وتشامبلرين يرفضون المقاومة، ويجنحون للسلم، والاستسلام، ويبغون مهادنة هتلر، أما تشرشل، القادم من البحرية البريطانية، الذي يحمل تاريخه صفعة وهزيمة في موقعة "جاليبولي"، الكل يخشى تشرشل، حتى الملك، جورج السادس، الذي يجتمع في الفيلم مع منافس تشرشل " فسكونت هاليفكس" الذي كان وزير خارجية بريطانيا في إدارة "تشامبلرين"، هاليفكس يرفض سياسة تشرشل، على الرغم أنه تنازل له عن مقعد رئاسة الوزراء، ويناوئ مسعاه للمقاومة، ويدعوه للبدء في مفاوضات السلام مع هتلر، عن طريق موسوليني، لحماية الأمة البريطانية، وهو ما يرفضه تشرشل، الذي يلعب دوره "جاري أولدمان" في الفيلم، يقول تشرشل: أمة تسقط وهي تقاتل، بمقدورها أن تنهض، لكن أمة تسقط بعدما تستسلم، لن تنهض أبدا.
جاري أولد مان في دور تشرشل
في مرة من المرات التي تقله فيها سيارة الحكومة إلى مكتبه في 10 داوننج ستريت، يرمق تشرشل المواطنين والسابلة في الشوارع، وهؤلاء الذين يركبون الباص، ويتمتم في نفسه: لم أركب من قبل الباص، ولم استقل من قبل الصابواي.
فيما بعد نعرف دلالة هذا المشهد الخاطف، إذ لا يوجد مشهد ناقص، أو زائد في الفيلم، لكن قبلها يضيق هاليفكس وتشامبلرين الخناق على تشرشل، بعدما يواجهون جميعا الموقف المتردي للجيش البريطاني، 300 ألف جندي يواجهون الفناء، تحت ضربات الطيران الألماني، قادة تشرشل العسكريين لا يجدون حلولا، المعضلة كلها في ضرورة إخلاء هؤلاء الجنود قبل فناء الجيش البريطاني كله، هذه هي الساعة الحالكة التي تمتد لأيام، منذ توليه منصبه في 10 مايو 1940.
مشهد عربة المترو
ينجح كاتب السيناريو "أنطوني مكارتن" في أن يحبك قصة متخيلة عن نزول تشرشل إلى المترو، واستقلاله إحدى عرباته، واختلاطه بالمواطنين، في هذا المشهد، الذي يعتبر بحق ذروة الفيلم، يسترد مكارتن، الكاتب النيوزلندي، والمخرج الإنجليزي جو رايت، إيقاع الفيلم، تتلاحق أنفاس المشاهد، بينما يرى تعبيرات المواطنين المفعمة بالدهشة والسعادة، وهم يرون رئيس الوزراء بينهم في قلب عربة المترو، الريفيوهات للمشاهدين والنقاد على يوتيوب تقول أن هذه الواقعة لم يسجلها التاريخ لتشرشل، لكن اختلاطه بالعامة غير مستبعد، وأنه إذا رغب في معرفة أراء المواطنين في قضية ما، فالأمر لن يكون صعبا.
وسواء كان هذا المشهد حقيقيا، أم خياليا، فنحن يجب أن نتعامل مع الفيلم على أنه خيال، مثل أي حبكة روائية، ولعل خيال أنطوني مكارتن، هو الذي قفز بالفيلم في هذا المشهد إلى ذروته، ففي هذا المشهد، يجلس تشرشل – جاري أولدمان- وسط الناس، ويقول لهم: ماذا لو كان العدو على الأبواب، هل نعقد معهم مفاوضات سلام؟ أم ماذا ترون؟
يرفض المواطنون في العربة أي مهادنة مع العدو، بل يرفض أي طرح من هذا القبيل، يهتف الناس في تشرشل : Never إياك تعقد معهم أي اتفاق، لا اتفاق مع الفاشيست، لن نترك لهم ميدان بيكاديللي.
لن نستسلم
يغادر "جاري أولد مان" أو "تشرشل" عربة المترو بأعين دامعة، الآن وقد امتلك زمام القوة، يذهب إلى البرلمان ويخطب خطابا عاصفا، يلوح تشامبلرين بمنديله، ويهتف أعضاء مجلس العموم هتافات تأييد، يقول هاليفاكس ردا على جاره الذي يسأله عما حدث في مجلس العموم وهذا التأييد العاصف الذي حظى به "تشرشل" بعدما كان المجلس منقسما عليه، يقول هاليفاكس: الرجل حشد اللغة الإنجليزية للتو، وأرسلها إلى المعركة، أي أن خطبته الرنانة صارت واحدا من الجنود.
جاري أولد مان يحمل أوسكار أحمل ممثل عن دوره في الفيلم