التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 06:53 ص , بتوقيت القاهرة

محمد قنديل.. عصفور الكناريا

 فور سماع صوت محمد قنديل، يدب قلبك، ولا يترك لك مساحة للملل، تعيد سماع أغنيته الواحدة مرارًا وتكرارًا، ويسكن قلبك وجوارحك، عندما يعيدك إلى منطقة خاصة جدا في تاريخك العاطفي، يظهرفي قوة صوته اعتزاز كبير وتأرجح بين الحداثة والقدم.

الفنان-محمد-قنديل
الفنان-محمد-قنديل

يصنع قنديل بصوته عالمًا مختلفًا من النغم العالي مرتفع القامة، يكفى فقط أن تستيقظ على صوته المنطلق من أثيرالإذاعة، وهو يشدو: "يا حلو صبح يا حلو طل"؛ لتنسى كل كوابيسك اليومية.

حنجرة تحمل مزيجًا من القوة الشحن، وكأن رياضة المصارعة التي مارسها في شبابه،  أكسبته مكانة مميزة من البهجة، تخلصه أولا بأول من الطاقة السلبية، يغنى وهو يبتسم، بوجه طفولى يدخل قلب كل من يشاهده.

تجربته على الإذاعة

رافقت الشهرة محمد قنديل، والتى حلت ذكرى ميلاده أمس، فى بداية الأربعينات، حين إنضم إلى مجموعة الأصوات الإذاعية المميزة، في إذاعة القاهرة، رئيس قسم الموسيقى - آنذاك-  محمد حسن الشجاعي، وجد في صوته مادة خام نقية تخلو من الشوائب، لذا اختاره لتسجيل التراث العربي القديم، إلى جانب أصوات عباس البليدي، وكارم محمود، فكانت تحمل تسجيلات الإذاعة موشحات بصوته كانت صعبة للغاية أشهرها "موشح الشيخ درويش الحريري، "حبي زرني ما تيسر".

 لمع محمد قنديل سينمائياً في فيلم "بابا عريس" في مطلع الخمسينات، إلى جانب نعيمة عاكف وشكري سرحان، وكان أول فيلم عربي تم تصويره كاملاً بالألوان الطبيعية، وظهر في مشهد استعراضي أدى فيه بصوته لحن الجميل لعبد العزيزمحمود "بين الحديد والنار"، وتبنى كلا من أحمد صدقي ومحمود الشريف ومحمد الموجي وكمال الطويل هذا الصوت اللافت للسمع، فزودوه بمجموعة من أجمل ألحانهم، وكانت تبدو ألحانهم على تناسق وتوافق تام مع حنجرة محمد قنديل. وأسلوبه الغنائي، الذي يميل بشكل واضح إلى اللون الشعبي.

حماس عرف "أم كلثوم" وغادر"عبد الوهاب"

تحمست له كوكب الشرق أم كلثوم، عندما وجدت فيه صوتا مميزا للغاية، أثناء تصويرها فيلم "عايدة"، شارك قنديل في تصوير"تابلوه القطن" وكان ضمن طلاب معهد الموسيقى التي اختارتهم ليشاركوها الغناء ككورس، فأعجبت بصوته وقالت: "محمد قنديل هو أجمل صوت أنجبته مصر" لكنها لم تكن ملحنة، فعجزت عن توفير مناخ له يساعده على الشهرة، في الوقت الذي لم يتحمس لصوته الموسيقارمحمد عبد الوهاب ليزوده ببعض ألحانه، لأنه مفتوناً بلون الحداثة الواضحة في آداء وحنجرة عبد الحليم حافظ، فقررأن ينصرف للتلحين له، إلى جانب الأصوات النسائية التي كان عبد الوهاب يحبها.

اشتهر"قنديل" بأغنيات الشعبية ذائعة الصيت مثل «بين شطين ومية»، و«يا رايحين الغورية» (ألحان كمال الطويل)، و«يا حلو صبح»، و«أبو سمرة السكرة»، بعض ألحان الطرب الرصين، خاصة لحن أحمد صدقي الرائع «سماح» على مقام الصبا، ولحن محمود الشريف الرائع أيضاً «ثلاث سلامات يا واحشني ثلاث أيام".

أثار صوته الأخاذ غيرة عبد الحليم حافظ، بعد إنصراف محمد الموجي، وكمال الطويل للتلحين لمحمد قنديل، في أفضل ما قدم «بين شطين ومية» و«يا رايحين الغورية»، اللذين بذل عبد الحليم جهوداً كبيرة في محاولة فاشلة لإقناع كمال الطويل أن يعود لغنائهما بصوته.

بيئة فنية خالصة

ابن شبرا كان يحمل ميراثا فنيا فى العائلة أهله لتلك الشهرة، لتدريب صوته فى سن صغيرة على التألق واللمعان الدائم، حيث ولد لعائلة من عشاق الموسيقى، فوالده كان عازفًا على العود والقانون، ووالدته عاشقةً للغناء وجدته مطربة شهيرة بالعشرينيات «سيدة السويسية»، ومن زوج عمته الموسيقار عبداللطيف عمر بدأ قنديل مشواره الفني من معهد الموسيقى وبتوصية من موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب اقتحم بصوته السينما ليبلغ عددا الأعمال التي قدمها ما يقرب من 16 عملًا سينمائيًا، منهم بطولة واحدة في فيلم «في صحتك» ،«شاطئ الأسرار»، «صراع في النيل» مع عمر الشريف، لكن السينما لم تستهوه يومًا فكان يشارك بناءً على رغبة أصدقائه، حتى قرر اعتزال السينما والتفرغ للغناء قائلًا: «هربت من السينما حتى لا أفقد صفتي كمطرب».

على قدر الحظ الذى رافق صوته، إلا أن الحظ في حياته الشخصية كان قليلا، ولم ينجب رغم زواجه مرتين الأولى كانت من الفنانة رجاء يوسف، صاحبة ملهى «الكيت كات»، واشترط عليها اعتزال العمل الفني وإغلاق ملهاها، أما الثانية فكان من خارج الوسط الفني وقد توفيت قبله بسنوات مما أصابه بالاكتئاب وتزايد نوبات مرض السكر والضغط حتى توفي في 8 يونيو 2004.