لهذا لقبوه بالأستاذ.. حكاية فؤاد المهندس مع «حتة مارون جلاسيه» (3)
فؤاد المهندس
معتمد عبد الغني
الإثنين، 12 مارس 2018 03:29 م
في ثمانينات القرن التاسع عشر، يطلب أحد البكوات، على سبيل التجربة، من الخواجة «جروبي» قطعة الحلوى الفرنسية التي أدخلها مصر، والمسماة «مارون جلاسيه»، يتذوق حلاوة السكر المكرمل، وصاحب مقهى وسط البلد يترقب ردة الفعل، التي تجسدت في ابتسامة اجتماعية محافظة أرسلها الزبون الجديد، وهو ما أكد شعور الرجل السويسري أن مذاق حلواه الباريسية سوف ترتبط باسمه في مصر، لكن التاريخ كان له رأي آخر، كان سخيًا مع فؤاد المهندس، وربط اسمه بـ«حتة المارون جلاسيه»، في عرض مسرحي نجح فنيًا وفشل تجاريًا.
خرجت «هالة حبيبتي» من عروض القطاع الخاص، وتوطدت علاقة الصداقة بين الأستاذ والمخرج حسام الدين صلاح، يلتقيان بشكل شبه منتظم في فندق الماريوت، يتحدثان في الفن وغيره، ومرارة التجربة تسيطر على الشاب العشريني، وكعادته منذ دعمه في لقائهما الأول في استوديو 6، يؤكد له الفنان الكبير أنهما قدما فنًا خالصًا دون مشهيات القطاع الخاص، لم تكن الرواية تحديدًا أزمة فؤاد المهندس، لكن توابعها هي المعاناة.
شنبو في المصيدة
عام 1969، وقف فؤاد المهندس، ومحمد عوض، أمام مسرح متوقف بالزمالك، أقرب إلى الخرابة، ويقرران أن يستأجرا هذا المبنى من نادي ضباط الجيش، وبعد العروض الأولى صار محط أنظار المسرحيين والجمهور، وتضاعف إيجاره في عشرين عامًا، حنى وصل إلى 5 آلاف جنيه شهريًا، لكن أصحاب المسرح طالبوهما بمليون جنيه مقابل استمرارهما في تقديم العروض المسرحية، وإلا سوف يعرض المسرح في مزاد علني، وقد كان.
وقف المهندس وعوض يشاهدان مسرح الزمالك يسلب منهما، خليفتا نجيب الريحاني في الكوميديا، لم تفلح قفشاتهما وخفة ظلهما في إنقاذ مسرحهما، الأجر ارتفع إلى 18 ألف جنيه شهريًا، وكراسة الشروط فتحت الباب للأمريكان والإنجليز في الاستيلاء على المكان الذي شهد نجاحات منقطعة النظير.
خبر في الثمانينات عن مسرح النجمين الراحلين
يحاول فؤاد المهندس أن يتخطى أزمة مسرح الزمالك، يعود إلى عالم الأطفال، كلما ناداه أحد بـ«عمو فؤاد» تذكر أن الفوازير تنتظره، يقرر أن يستكمل الحكايات التي بدأها، لكن تلك المرة بدون المخرج الأول للفوازير محمد رجائي، واستبدله بـ«محمد أباظة»، وطالب بزيادة أجره، لكن المسؤولين قابلوه بالجفاء والرفض، لأن أسهم النجم الكبير لم تعد في السماء قبل «هالة حبيبتي»، ومع إصرار الطرفين وتصاعد الموقف، طرح اسم «عبد المنعم مدبولي» في سلسلة جديدة اسمها «جدو عبده».
لم يستوعب الأستاذ أنهم وجدوا بديلًا ينافسه في عالم الأطفال، ويستغنوا عنه بعد ست سنوات في الفوازير، اتصل بمدبولي صديق عمره، نصحه الأخير أن يخرج من لعبة استبدال المخرجين، ويتحدث مع المسؤولين قبل أن يمضي معهم عقد الفوازير الجديدة، لكن المهندس لم يقتنع، غضب من «جدو عبده»، وقال إنه لم يرع أصول صداقة العمر.
روزيتا.. روزيتا
رغم أزمة مسرح الزمالك، لم يبتعد المهندس عن الخشبة التي شهدت نجوميته، يحاول أن يعيد تقديم مسرحيات نجيب الريحاني، لكن عدم وجود منتج مشارك متحمس، قضى على فكرة المشروع قبل أن يبدأ، لذا لم يتردد في قبول نص «عشان خاطر عيونك»، ويصبح ممثلًا فقط في «فرقة الفنانين المتحدين»، بعد أن كان صاحب فرقة ومسرح خاص.
رغم حفاوة الفرقة المسرحية وعلى رأسهم شريهان، كان الأستاذ مكتئبًا، وشعر أن الترحيب لم يكن كافيًا لاسم فؤاد المهندس، يستدعي مخرجه الشاب، ويطلب أن يخرج له لحظة دخوله المسرح، لكن مشكلته الكبرى كانت مع الخروج الزائد عن النص، الذي كان يعتبره دومًا إسفافًا وابتذالًا، وخروج على اللياقة والأدب.
تزعم بعض الروايات أن الفتاة الدلوعة شريهان بدأت تجود في شخصية الراقصة روزيتا، وخرجت عن نص بهجت قمر، وقالت لفؤاد المهندس: «أنت زعلان عشان معملتش فوازير عمو فؤاد السنة دي، متزعلش «بصرة».. لا أنت عملت الفوازير ولا أنا عملتها السنة دي»، ترى هل تقبل الأستاذ مزاح تلميذته؟، وما هو شعور عبد المنعم مدبولي، الذي حضر خصيصًا لمؤازرة صديقه في مسرحيته الجديدة، وقال له في كواليس العرض: «أنا جاي أتفرج يا فؤاد وأستمتع بك..».
سيدتي الجميلة
بعد انفصال فني وصل لـ14 عامًا، يقرر فؤاد المهندس مع سمير خفاجى، صاحب ومدير فرقة الفنانين المتحدين، البحث عن نص مسرحي يستحق أن يجمع بين الأستاذ مع الفنانة «شويكار»، أكثر امرأة فهمته على خشبة المسرح، منذ لقائهما الأول في «السكرتير الفني» عام 1963، من وقتها لم يفترقا مسرحيًا إلا بعد الانفصال في مسرحيتي «هالة حبيبتي»، و«عشان خاطر عيونك».
فؤاد المهندس وشويكار
شهدت بداية التسعينات الإعلان عن مسرحية من بطولة الثنائي فؤاد المهندس وشويكار، اسمها «العملية 42»، والتي عرفت بعد التغيير باسم «روحية اتخطفت»، وأشادت الزوجة السابقة بالأستاذ لدرجة وصلت إلى الغزل، وبدوره بادلها الترحيب بجملة: «لا توجد بطلة كاملة في مسرحياتي إلا شويكار».
- شويكار: إنت السبب في اللي حصل- فؤاد: ما انت كنتِ دايمًا نكد في نكد- شويكار: وأنا كنت بشوفك.. كنت بترجعلي أنصاص الليالي
الحوار السابق لم يكن سوى جزء مقتطع من مسرحيتهما «روحية اتخطفت»، لكنها لمست الجمهور الذي عاش قصة حب الثنائي في الستينات، وتابع أفلامهما الكوميدية ذات الأفكار المجنونة.
الدنيا كاسات
يعود حسام من ألمانيا الغربية، ويتجه لمسرح الدولة، بعد تجربته «هالة حبيبتي» في القطاع الخاص، ذهب إلى أستاذه وجده مهمومًا، وزاده حزنًا قضية القروض التي تورط فيها نجله محمد، يحاول المخرج أن يلهي المهندس عن أحزانه، ويستقطبه للعمل في العروض التي تقدمها الدولة، ودعاه لمسرحيته الجديدة «التوهان»، التي انبهر بها فؤاد المهندس، وسلم على كل الفرقة واحدًا واحدًا.
في سنواته الأخيرة يقرر فؤاد المهندس اعتزال الناس، يدك الزهايمر أبواب الذاكرة للمضحك العظيم، وخادمته تطمع في سرقة سريره الملكي الخاص بالخديوي إسماعيل، والأحذية التي اختارها بعناية ووصلت لـ500 حذاء إيطالي جلد طبيعي.
وفي سبتمبر 2006، يتسبب انهيار جزء من سقف غرفة نوم عمو فؤاد، في إصابته بأزمة قلبية، إثر فزعه من مشهد سقوط السقف، ولا يتحمل قلبه "الخضة" فيرحل قبل أن يخبرنا بالفزورة الجديدة.
لا يفوتك