محمود الجوهري.. كتاب كرة القدم الأول
كرة القدم ليست هي اللعبة البسيطة التي يتنافس فيها 22 لاعبا ضد بعضهم وفي النهاية تفوز ألمانيا، كما قال جاري لينكر. هي علوم وفنون كبيرة بدأت في الالتفات لها صغيرا، حين جذبني الكتاب الأول، كتاب حمل عنوان "محمود الجوهري"، فمهما حقق المدربون في مصر بطولات وإنجازات، سيبقى الجوهري متفردا تفرد الحب الأول، الجنرال الذي خاض حرب أكتوبر المجيدة، خاض أيضا حربه الخاصة لتطوير الكرة في مصر، ولا شك أنه صاحب البصمة الأبرز في تاريخ الكرة المصرية.
إنجازات الجوهري ليست في الصعود لمونديال 90 أو الفوز بكأس الأمم 1998، لكن بصماته الحقيقية جاءت في تغيير عقيدة المصريين تجاه كرة القدم، مثلا: ينسب إليه أنه من أدخل الاحتراف في مصر ثم درّب الزمالك المنافس التاريخي للنادي الذي نشأ فيه وسطر تاريخه لاعبا ومدربا.
كان المدرب الاستثنائي هو الحل دائما حين تسوّد الدنيا في وجه المنتخب، يرحل الجوهري عن المنتخب بسبب هزيمة كبيرة، يأتي عدة مدربين يصاحبهم الفشل، فينادي الجميع: "كان ماله الجوهري".. "احضروا الجوهري".. "الجوهري وبس".
الجوهري "الدفاعي"
19 هدفا في 10 مباريات، هكذا بدأ محمود الجوهري "الدفاعي" حياته التدريبية العامرة، محققا البطولة الأولى له كمدرب، وافتتح معه الأهلي رافدا جديدا لكتابة التاريخ: بطولة أفريقيا للأندية أبطال الدوري (دوري أبطال أفريقيا) 1982.
ولأنه استثنائي، فلم يفلح معه ما استقر في العقول بأن "الانطباعات الأولى تدوم"، فما استقر انطباع لدى المصريين عن الجوهري كان أنه "مدرب دفاعي"، ربما مباراة مملة أمام أيرلندا في كأس العالم 1990 كانت سببا في ذلك - ليتنا نصعد دائما ونقدم مباراة مملة في كل مرة -.
*كأس العالم 1990 جاء إيطاليا خالصا (النسخة الأفقر تهديفيا في تاريخ المونديال).
*هل كانت أيرلندا تهاجم؟ - هل كان العالم كله يهاجم في هذه البطولة أصلا؟
ثلاث مباريات لا أتذكر غيرها، رأيت الجوهري فيها يبالغ في الدفاع: (أيرلندا 90 - كوت ديفوار 98 - الكاميرون 2002)، عدا ذلك كنت أرى دائما الجوهري مبتكرا هجوميا.
قبل 15 عاما من اعتماد العالم لها، كان الجوهري يلعب برأس حربة وحيد ولاعبي ارتكاز وظهيرين وأجنحة طائرة، رسم تكتيكي أخذ في التطور إلى أن وصل لـ 4-2-3-1 في تصفيات كأس العالم 2002 - بات الرسم التكتيكي الأشهر في العالم الآن.
القادمون من الخلف
عنوان الرواية في عقل الجوهري منذ البداية (القادمون من الخلف): في أفريقيا 1982 سجل جمال عبد الحميد ومحمود الخطيب 8 أهداف من أصل 19 سجلها الفريق، فيما تكفل القادمون من الخلف بتسجيل 11 هدفا.
يؤمن الجوهري بالهجوم وبالأحرى يؤمن بالواقعية، الفريق يتحرك وحدة واحدة دفاعا وهجوما، كل الخطوط تسجل.. في 82 سجّل كل من: ( علاء ميهوب، مجدي إمام، مجدي عبد الغني، خالد جاد الله، مختار مختار، شريف عبد المنعم، طاهر أبو زيد).
12 هدفا في 4 مباريات توجت الأهلي بطلا لكأس مصر 1982 / 1983، وفي العام التالي فاز الأهلي بالبطولة أيضا.
في تصفيات مونديال 1990 بخلاف تأهل مصر، كان الفراعنة أصحاب أقوى خط هجوم في التصفيات بـ 6 أهداف أحرز نصفها هشام عبد الرسول (قادم من الخلف).
سبعة أهداف سجلها حسام حسن في بطولة استثنائية، و 3 أخرى سجلها القادمون من الخلف (ياسر رضوان - أحمد حسن - طارق مصطفى) وبأداء هجومي ممتع حقق المنتخب المصري غير المرشح للقب، بطولة كأس الأمم الأفريقية في 1998. شاهد ما قدمه القادمون من الخلف:
تصفيات مونديال 2002 قدم المصريون أداء هجوميا فائقا ولولا عيوب الأداء الدفاعي ( لا تنسى أن الجوهري مدرب دفاعي) لكنا حجزنا مقعدا في كوريا واليابان، ففي التصفيات التي انتهت باحتلال المصريين للمركز الثالث، كنا أصحاب أقوى خطوط الهجوم: 6 أهداف سجلناها في المرحلة الأولى، و17 هدفا في المرحلة النهائية، غير أن مرمى نادر السيد استقبل 8 أهداف في المرحلة النهائية ليضيع حلم التأهل في أحد أقوى فصول "سنوات الفرص الضائعة".
خلال مشواره الكروي حصل على لقب أفضل مدرب في أفريقيا 3 مرات بناءً على اختيار الاتحاد الأفريقي أعوام "1989، 1993، 1998"، كما منحه "كاف" جائزة أسطورة التدريب، واختاره "فيفا" ضمن أفضل 20 مدربًا في العالم عام 1998، وهي مرتبة لا أعلم إن وصل لها عربي غيره، إلا أن ما أعرفه حقا أن لا أحد يحتل مكانته في تاريخ الكرة المصرية وقلوب المصريين.