اعتذار واجب لمرتضى منصور
مساء التاسع والعشرين من مارس 2014، وفور إعلان نتائج انتخابات مجلسي إدارة الناديين الأكبر في مصر، والتي أُجريت بالتزامن في نفس اليوم، كتبت أغبط النادي الأهلي على جمعيته العمومية التي أتت بالمهندس محمود طاهر رئيسا للنادي، في الوقت الذي أتت نظيرتها في الزمالك بالمستشار مرتضى منصور رئيسا في فترة ولاية ثانية بعد فترة أولى لم يكملها قبل عدة أعوام.
وقتها كنت أرى الأمر من موقع مختلف، رومانسي بعض الشيء. فمحمود طاهر أطاح بإبراهيم المعلم الخليفة الشرعي لحسن حمدي، الرئيس الأكثر نجاحا مع الأهلي في تحقيق البطولات، والأكثر فسادا في تاريخ الرياضة المصرية. فساد مثبت بالأوراق الرسمية والأحكام القضائية، فساد فج كان يصل لتضارب علني في المصالح يتم تحت أعين الجميع: حسن حمدي بصفته رئيسا لوكالة الأهرام للإعلان يوقع تعاقدا مع حسن حمدي بصفته رئيسا للنادي الأهلي، بمبلغ خرافي وقتها (141 مليون جنيه)، تم تحديده بناء على مزايدة صورية تمت مع وكالة أخرى يملكها محمود الخطيب الذي يشغل منصب الوكيل في كلا من الأهلي والأهرام!
حمدي والخطيب خرجا من الصورة وأصبح أمرهما في يد القضاء يفصل فيه، لكن ما يهمني هنا هو أن فوز طاهر كان وقتها يبدو انتصارا للحق في مواجهة سنوات من الفساد (كان فيها منافسه أمينا للصندوق). في نفس الوقت الذي كانت الخبرة السابقة لمرتضى في رئاسة الزمالك ـ الذي أشجعه ـ محبطة للغاية. بعض الإنشاءات التي لا تهم سوى أعضاء النادي، مع الكثير من الجعجعة بلا طحن في القضايا الرياضية، أذكر منها أزمة انتقال محمد عبد الله وأزمة دوري كرة اليد، وهي أمور كان للزمالك فيها حق قانوني ضاع بسبب طريقة إدارة رئيس النادي للأزمة. ويكفي قضية اليد التي استعاد الزمالك فيها الدوري الذي خسره ظلما بالطريقة القانونية، ولكن بعد أن خسر الكأس واعتبر منسحبا منه بسبب اقتحام مرتضى الكوميدي للملعب.
الأمر الذي دفع الكثير من مشجعي نادي الزمالك، يتقدمهم المدوّن والمحلل الأشهر أحمد عفيفي (صاحب برنامج الكرة مش مع عفيفي)، بالدعوة علنا لانتخاب الدكتور كمال درويش رئيسا للنادي، باعتباره الطرف الذي يعطي فوزه فرصا أكبر للنادي في الاستقرار وحسن الإدارة، أملا في النتيجة الأهم وهي تحسن أحوال فريق الكرة الذي كان قد وصل إلى أسوأ حالة مرت عليه طوال تاريخه.
المهم أن طاهر ومرتضى فازا في وقت واحد تقريبا، وكتبت وقتها أن الأهلي محظوظ حتى في جمعيته العمومية، متخوفا مما قد تسفر عنه الفترة التالية التي كانت فترة حسم بطولة دوري المجموعتين (البطولة الأضعف في تاريخ الكرة المصرية)، ثم الأهم وهو الاستعداد للموسم الجديد والانتقالات الصيفية. نتائج الدوري جاءت عكس رغبة الزمالكوية وحصل الأهلي على اللقب بفارق هدف سُجل بأقدام الزمالك، ليأتي موسم الانتقالات وتوضع إدارة الناديين في الاختيار الدائم في الرياضة المصرية: البراجماتية والأخذ بالأسباب أم الشعارات والكلام المرسل؟
الإدارة لا تعرف الحب وروح الفانلة
عندما وصفت دوري الموسم الماضي بأنه أضعف بطولة في تاريخ الكرة المصرية لم يكن السبب فقط هو نظام المجموعتين، الذي يفقد أي بطولة دوري عدالتها بل وشرعيتها طبقا للوائح الفيفا. بل كان السبب الرئيسي هو أن الفريقين الأكبر في مصر كانا وصلا لأسوأ حالتهما كفرق كرة كبيرة، كلاهما فريق فارغ من اللاعبين المؤثرين حقا باستثناء اسمين أو ثلاثة، مع بعض المواهب الصاعدة استغلها ميدو في المعسكر الأبيض وفتحي مبروك في الأحمر للحفاظ على البقية الباقية من شكل فريق الكرة. مواهب كمصطفى فتحي ويوسف أوباما ورمضان صبحي وكريم بامبو يمكن أن تتوقع لها مستقبلا رائعا، وتراهن على أن يشتد عودها وسط فريق كبير يصيرون خلاله نجوما، لكن يستحيل أن تراهن عليهم كأعمدة رئيسية لفريقين يفترض أنهما الأكبر في القارة.
ما حدث في موسم الصيف هو أن الزمالك أخذ بأسباب النجاح، بداية من التخلص من مجموعة الأسماء القديمة التي أدمنت الخسارة، وأدمنت أيضا الخروج من كل تصفية لفريق خاسر باعتبارهم أبناء النادي وكبار الفريق وبعض الأوصاف المرسلة التي لا تسمن ولا تشفي من جوع. عبد الواحد السيد ومحمود فتح الله وأحمد جعفر وغيرهم، لاعبين كانت صلاحية بقائعم في نادٍ بحجم الزمالك قد نفدت قبل ثلاثة مواسم على أقل تقدير، لكنهم كانوا يعتبرون نفسهم أكبر من أن يتركهم النادي طالما كانوا "قادرين على العطاء"، وضع تحت العبارة المرسلة ألف خط.
مرتضى منصور اتخذ القرار الذي جبن عنه كل من سبقه وخلّص الفريق من مصادر الضعف، وفي المقابل دعّم القائمة بـ 16 لاعبا نصفهم على الأقل نجوم قادرين على تكوين فريق كبير ينافس على كل البطولات: أحمد الشناوي وباسم مرسي وأيمن حفني وطارق حامد ومحمد كوفي وخالد قمر وغيرهم. في نفس الوقت الذي انخدعت فيه إدارة محمود طاهر بلقب دوري فارق الأهداف، ورأوا أن لديهم فريقا جاهزا لا يحتاج سوى للدعم بعدد من اللاعبين الجيدين، ليس بينهم نجم حقيقي بخلاف حسين السيد. وهو شكل من مواسم التعاقدات كان مثاليا قبل عدة أعوام عندما كان الأهلي يمتلك فريقا مرعبا بحق لا يحتاج سوى لصفقة أو اثنين، لكن مع حالة أهلي 2013-2014 هو أبعد ما يكون عن الصواب.
طاهر يبدو أنه صدق العناوين الصحفية والمبالغات الإعلامية من نوعية روح الفانلة الحمراء التي يفوز أي أحد عشر لاعبا يرتدونها، أو أن النظام والمبادئ هي مفتاح الأهلي في الفوز بالبطولات. كل هذه أمور داعمة بالطبع، لكنها تأتي في مراتب متأخرة جدا قبل المبدأين الأساسيين في الإدارة عموما والإدارة الرياضية خصوصا: البراجماتية والأخذ بالأسباب.
حسن حمدي ربما كان فاسدا على الجانب المالي، لكنّه للحق كان قادرا على توظيف هذا الفساد في خدمة فريق الكرة بناديه. تلاعب قانوني دفع صاحبه ثمنه لاحقا، لكنه أتى للفريق بعقود الرعاية الضخمة والإعلانات التي تثقل ميزان الأهلي لدى أي لاعب يريد النادي ضمه، وغيرها من الوسائل التي ساعدت قطعا في تكوين فريق الكرة الأنجح في تاريخ النادي. أما محمود طاهر، الذي لازلت أراه حتى لحظتنا هذه رجلا شريفا دمث الخلق، فلا يجوز لأحد بالطبع أن يطالبه بالفساد، ولكن ما افتقده هو ضرورة الأخذ بالأسباب، وفهم أن روح الفانلة ومبادئ القلعة والبركة بالشباب، أمور لا تصنع فريقا يهابه الجميع.
أزمة المدرب والخيار الخاطئ مجددا
نفس المقارنة بين الإدارتين يمكن عقدها حول تعامل الناديين مع أزمة تغيير المدرب في وسط الموسم، والتي داهمت الزمالك بشكل أعنف بهروب مديره الفني باتشيكو بين عشية وضحاها، بينما كان الأهلي هو صاحب قرار إقالة الإسباني جاريدو، أي كان يمتلك منطقيا فرصة أكبر للتروي والبحث عن بديل مناسب. إدارة مرتضى منصور كان من الممكن أن تستمع للأصوات المتهالكة (معظمها من أبناء النادي للأسف) التي تكالبت أمام الكاميرات وخلف الميكرفونات تطالب ببقاء ابن النادي محمد صلاح في كرسي الإدارة الفنية لنهاية الموسم، خاصة وأنه كان يحقق الفوز تلو الآخر بينما الإدارة تبحث عن بديل مناسب للهارب.
إدارة مرتضى أعادت الأمور لنصابها، وجاءت بجوزفالدو فيريرا أحد كبار الأسماء في عالم التدريب الأوروبي. وعموما أي اسم أوروبي متوسط المستوى هو أجدر بقيادة الفريق من مدرب متواضع مشكوك في نزاهته كصلاح. أما إدارة طاهر وفي موقف أقل توترا مما واجهه الزمالك، فاختارت التعاقد مع فتحي مبروك، الرجل المخلص محدود الطموح والإمكانيات، الذي كان من الممكن أن يقضي باقي عمره في الظل يخدم ناديه في قطاعات الناشئين. باختصار، هو رجل بلا طموح شخصي، ومن يفتقد الطموح الشخصي لا يمكن أن يبثه في نادٍ بحجم الأهلي.
محمود طاهر ـ وخلفه جمهور اعتاد الإيمان بقرارات إدارته وكأنها حكمة إلهية ـ خُدع بعدة انتصارات معظمها على فرق متواضعة، وسارع في الإشادة وتجديد الثقة المتناهية في قدرات مبروك التي كان الفريق يفتقدها في عهد جاريدو، والتي قد لا تكون كافية لتعويض فارق النقاط التي يتخلف بها الفريق عن الزمالك، لكنها قادرة على أن تصنع فريقا عظيما مَهيب الجانب، من نفس مجموعة اللاعبين التي ترنحت أمام فرق بحجم الأسيوطي سبورت وألعاب دمنهور والرجاء مطروح!
صدمة 24 مايو المزعومة
جمهور الأهلي تلقى أول صدمة بالخسارة من حرس الحدود مساء الأحد الماضي، وسارع البعض كالعادة المستحدثة هذا الموسم يتهم الحكم محمد فاروق، بطل موقعة أبو تريكة الشهيرة أمام نفس الفريق، بأنه كان سبب الخسارة بطرده حسام غالي، قائد الفريق وأسوأ لاعبيه على مدار الموسم فنيا وأخلاقيا (والأخير ليس معيارا يعتد به إلا في حالة المتاجرة المستمرة بالأخلاق والمبادئ). مع العلم أن الموسم الحالي هو أسوأ مواسم حرس الحدود منذ صعوده للدوري الممتاز، والفريق يقاتل من أجل البقاء وعدم النزول للدرجة الثانية.
شاهد تمثيل ابو تريكة خارج منطقة ال18 واحتساب ضربة جزاء غير مستحقة
بمناسبة عيد ميلاد الغطاس كابتن #محمد_ابو_تريكةشاهد غطسة الخلوق ابو تريكة امام حرس الحدود واحتساب ضربة جزاء غير مستحقة له ! :Dملحوظة ابو تريكة رمى نفسى برة ال18 ورغم ذلك تم احتساب له ضربة جزاء غير مستحقة اطلاقا
Posted by زمــالك اكــيــد حــبــى الــوحــيــد on 7 نوفمبر، 2014
بالنسبة لغالبية جمهور الزمالك والقلة العاقلة من مشجعي الأهلي لم يكن الأمر صدمة على الإطلاق، فلا فتحي مبروك مدرب قادر على أن يصنع من الفسيخ شربات، ولا فريق الأهلى بمجموعة لاعبيه الحالية يمكن أن يكون فريقا مخيفا ولو جاءه مدير فني عالمي. ووجود غالي في الملعب من عدمه لم يكن ليقدم أو يؤخر شيئا من انعدام الحلول عند فريق سيطر على الكرة معظم وقت المباراة تقريبا، أمام خصم لا يفعل سوى الدفاع المستميت، وهو وضع طالما تعرض له الأهلي وحسمه بسهولة عشرات المرات، عندما كان يمتلك فريقا كبيرا ومدربا لا يخرج بعد المباراة ليقول "لعبت باثنين مهاجمين بالرغم من أني لا أحب هذه الطريقة". فمن أجبرك عليها إذن يا كابتن فتحي؟!
موقف إدارة الأهلي وجمهوره من الفريق الحالي ومدربه أمر يخصهم يمكنهم مناقشته بتوسع، وأعتقد شخصيا أن مبروك لن يكون في منصبه مع بدء الموسم المقبل برغم كل كلمات الدعم والمساندة. لكن ما يهمني هنا وما أردته من المقال هو توجيه اعتذار لمرتضى منصور عن تصوري المسبق تجاه وجوده رئيسا للنادي. صحيح أنه لا يزال يخرج علينا أحيانا ببعض التصريحات المضحكة مثل حديثه مرتين عن تحضير العفاريت، لكنها في النهاية أمور يمكن قبولها طالما استمر في الأخذ بأسباب إدارة النادي. لأن التجربة علمتنا حقا وصدقا، أن شرير قادر على الإدارة هو أفضل للمؤسسة ألف مرة من شريف أحمق ولو حسنت نيته.