التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 11:49 ص , بتوقيت القاهرة

أبو تريكة.. خط أحمر؟

العنوان يخص هاشتاج وصفحات مماثلة تم إنشاؤها خلال ساعات من تداول أخبار عديدة عن التحفظ على أموال نجم الكرة أبو تريكة. وكعادة الأخبار المتضاربة في مصر، فبعضها يؤكد أنه تم التحفظ على أمواله بتهمة تمويل أنشطة لتنظيم الإخوان. وبعضها يؤكد أنه تم التحفظ على أموال شركة سياحة بنفس التهمة، يشارك فيها هو ضمن عشرات آخرين، وبعضها يؤكد أنه متهم بالتهرب الضريبي ليس إلا.


خاص| مصدر قضائي: لا توجد قرارات بتجميد أموال أبوتريكة في البنوك


على كل ستتضح الأمور بالتفصيل حتما قريبا (ربما وقت قراءتك للمقال)، لكن ما دفعني للكتابة هو طريقة التفاعل الجماهيري مع الخبر.


هل أبو تريكة لاعب كرة بتاريخ عظيم من الإنجازات في الملاعب؟
نعم. لا يُمكن لعاقل إنكار إنجازاته كلاعب كرة مصري عملاق، أسعد الملايين سواء في النادي الأهلي أو المنتخب. أحترم جدا عطاءه في الملاعب، وكتصنيف شخصي أراه ثاني أفضل وأهم لاعب كرة مصري في آخر 20 سنة، بعد حارس المرمى عصام الحضري.


هل يعني هذا أنه محصن ضد الاتهامات والملاحقات القانونية دون الباقين؟
لا. إذا توفرت أدلة الاتهام والملاحقة، فلا بد من توجيه الاتهام والملاحقة. وإذا صحت أدلة الاتهام قانونيا فمن الضروري أن يعاقب قضائيا كأي فرد عادي. ما دمنا نتحدث عن دولة تتعامل مع تنظيم الإخوان باعتباره (تنظيما إرهابيا عدوا يجب حظر أنشطته).


من هنا أتفهم مثلا رفض الإخوان لاتهام أبو تريكة، من منطلق أنهم لا يرون في تمويل أنشطة الجماعة جريمة تستوجب الاتهام من الأصل. أتفهم أيضًا سبب رفض توأمهم السياسي (أنا مش إخوان بس بحترمهم). أتفهم ببساطة موقف أي شخص لا يُساند ملاحقة الإخوان أمنيا وقضائيا.


ما لا أتفهمه فعلا هو رفض توجيه الاتهام لأبو تريكة، من منطلق كونه (شخصا مهذبا صاحب إنجازات كروية كلاعب). عفوا هذا لا يحصنه من أي تهم وملاحقات قانونية!


في الحقيقة تتوافق هذه النظرية مع ما تم ترديده بدايات ثورة يناير، من ضرورة منح مبارك حصانة قانونية ضد أي اتهامات أو تحقيقات تتعلق بالفساد السياسي والمالي؛ احتراما لإنجازاته وإسهاماته في حرب أكتوبر 1973 (والتي لا ينكرها عاقل أيضا). وهي الحصانة التي رفضها تحديدا نفس الفئة التي تطالب بتطبيقها حاليا بخصوص أبو تريكة. المسألة إذا لا تتعلق بكونك تريد تطبيق العدالة والقانون، بقدر ما تتعلق بضرورة توظيفهم (أحيانا) ضد عدوك. 


الأكثر غرابة اعتراض مضمونه (وهى يعني العدالة والقانون بيتطبقوا عالكل؟). وردي أنه إذا كانت إجابتك بـ (لا)، فهذا دافع للمطالبة بتطبيقها على الكل، وليس استثناء المزيد منها. هذا الاعتراض البشع الذي يطالب مثلا بالتساهل مع صاحب الملاكي في مخالفة مرورية، لأن الدولة لا تستطيع السيطرة على فوضى وبلطجة الميكروباص (1) ويطالب أيضا بالتساهل مع سائق الميكروباص لأنه غلبان يعيش في دولة يستطيع فيها صاحب الملاكي بفضل معارفه التهرب من المخالفة (2)


النتيجة العملية للموافقة على (1) و(2)، بدلا من رفض كلاهما، سينتهي بـ لا دولة. 


يمتزج هذا مع النظرة الطفولية القاصرة السائدة، التي تصنف البشر من منظور أحادي الجانب (ملاك وشيطان - أبيض وأسود). أو كما يراها حزلئوم الساذج (كمال أبو ريا وغسان مطر)! 


هذة النظرة أحد أسوأ آفاتنا في اتخاذ المواقف عموما. ومع المشاهير تحديدا تبدو طريقة تعامل سائدة. أخبرني مثلا بعمل فني واحد حقق نجاحا جماهيريا، يتعرض لحياة أحدهم، وينظر إليهم كبشر بالفعل لهم عطاؤهم في مجالاتهم، ولهم أيضا أخطاء وخطايا؟!.. أم كلثوم ملاك لا يخطئ في مسلسلها التليفزيوني.. عبد الحليم ملاك لا يخطئ في أي مسلسل أو فيلم قصة حياته.. جمال عبد الناصر والسادات، ملائكة لا تخطئ في أفلام أحمد زكي عنهم.. الخ.


من المنطقي إذًا مع هذا المنهج التربوي أن يعيش أغلبنا وهو غير قادر على الاقتناع أنه يمكن بالفعل لشخص أن يحقق نجاحا باهرا في مجال ما، في نفس الوقت الذي يرتكب فيه أيضا مخالفات وأخطاء وجرائم سلوكية وقانونية لها ضررها. 


في المقابل لدي يقين أن عشرات الصحفيين ومقدمي البرامج ومشاهير السوشيال ميديا سيقدمون خلال الساعات القليلة القادمة وصلة رفض لاتهام أبو تريكة، من منطلق واحد فقط لا غير، وهو الفوز برضا ملايين من الجماهير، التي اتخذت موقفها مبكرا برفض توجيه أي اتهام للاعب.


نفس هؤلاء الإعلاميين ستراهم غدا - وغالبا رأيتهم بالفعل أمس - في وصلة تأييد ومباركة لنشاط الأجهزة الأمنية والقضائية في ملاحقة آخرين بنفس تهمة أبو تريكة المتداولة حاليا!


ابتسم!.. في مصر يمكنك دائما أن تصبح خط أحمر، إذا امتلكت ما يكفي من الرصيد الجماهيري.


لمتابعة الكاتب على الفيس بوك