المؤسسات هي الحل
"حظوظ الدول من النجاح والفشل، أو الفقر والغنى لا ترتبط بالموارد الطبيعة أو الموقع أو الثقافة أو الدين أو توافر قيادة مستنيرة، ولكن ترتبط بالأساس بمدى توافر مؤسسات بتلك الدولة، ودرجة شمول هذه المؤسسات للجميع".
العبارة السابقة هي مُلخص الكتاب الهام الذي يحمل عنوان "لماذا تفشل الأمم: أصول السلطة والازدهار والفقر"Why Nations Fail: The Origins of Power, Prosperity and Poverty 0، الكتاب من تأليف جيمس روبنسون أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، ودارون أسيموغلو أستاذ الاقتصاد بمعهد ماستشوسيتس للتكنولوجيا.
المقصود بالمؤسسات هنا ليس فقط بناء هياكل تنظيمية راسخة، ولكن أيضًا تبني قوانين وقواعد ثابتة ومستمرة لتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية.
يشير الكتاب إلى أهمية الجانب المؤسسي في الاقتصاد والذي يرتبط بتوافر القوانين والممارسات التي تحفز المواطن على العمل المنتج، وتطلق مواهبه ومهاراته، وتصون ملكيته الخاصة، وتضمن تطبيق العقود المتفق عليها، وتسمح للفرد بتكوين الثروة واستثمارها دون خوف من استيلاء الدولة عليها. والمهم أن تتيح هذه المؤسسات الفرص للجميع، وألا تكون ملكيتها في يد عدد قليل من الأفراد أو تعمل لمصلحة الأقلية.
يتعرض الكتاب بعد ذلك للمؤسسات السياسية، ويشير إلى أهميتها القصوى لأنها هي التي تحدد إمكانية وجود مؤسسات اقتصادية من عدمه. ويؤكد على أن المؤسسات السياسية يجب أيضًا أن تشمل الجميع، وأن تقوم على توزيع واسع للسلطة بدلا من تركزها في يد شخص واحد أو مجموعة صغيرة من الأفراد، وأن تتضمن صيغة ائتلافية وتعددية تتيح مشاركة أكبر في صنع القرار.
ويشير الكتاب إلى نموذج بعض الدول (مثل الصين) التي استطاعت تحقيق نمو اقتصادي في غياب مؤسسية سياسية ديمقراطية، ويذكر أن هذا النموذج غير مستدام وقابل للانهيار، وأنه قد يمكن الشعب من تجاوز الفقر ولكنه لن يحقق له الرفاهية.
ويشير أيضًا إلى شبه الجزيرة الكورية للدلالة على أهمية المؤسسات السياسية والاقتصادية في تحقيق الازدهار الاقتصادي. فيقارن بين كوريا الشمالية التي تعاني من مجاعة واسعة النطاق، وسوء تغذية، ومستويات معيشة متدهورة بلا حدود، في حين أن كوريا الجنوبية بلد ديناميكي ومزدهر، ويؤكد مؤلفو الكتاب على أن اقتصاد كوريا الشمالية مركزي التخطيط أعاق الفرص والحوافز لدى مواطنيه، فيما دعمت المؤسسات السياسية والاقتصادية الشاملة للجميع في كوريا الجنوبية النمو.
باختصار، تقدم الأمم يرتبط ببناء مؤسسات تضمن الاستمرارية وتكون قادرة على اجتياز اختبار الزمن وتغير القيادات والزعامات، مؤسسات سياسية واقتصادية، فلا يمكن الفصل بين الاثنين أو إعطاء أولوية لأحدهما على حساب الآخر، مؤسسات تشمل الجميع وتعمل لمصلحة الجميع.