خبراء: موارد جديدة للدخل السعودي.. والمملكة ستكسب معركة النفط
كثر الحديث خلال الفترة الأخيرة بشأن أزمة أسعار النفط، وإلى أي مدى ستستمر موجة الهبوط التي بدأت في يونيو الماضي، وذكر معهد التمويل الدولي في تقرير حديث له أنَّ السعودية في ظل عدم خفض الإنتاج فإنها ستضطر إلى تمويل عجزها، الذي سيعادل 15% من ناتجها المحلي الإجمالي عبر سحب الأموال من احتياطها وعبر إصدار السندات للاقتراض من السوق.
وفي ظل هذه المؤشرات الخطيرة كشف خبراء اقتصاديون لـ"دوت مصر" عن الحلول التي ينبغي على السعودية اتباعها تفاديا لأزمة هبوط الأسعار، كما طرح الخبراء مصادر جديدة للدخل نصحوا المملكة بتبنيها، حيث تعد مصادر جديدة للدخل في ظل تمتع المملكة بالموقع الاستراتيجي والبنية التحتية التي تمكنها من ذلك.
سياسة اقتصادية جديدة
في تصريحات لـ"دوت مصر" يقول الخبير الاقتصادي وأحد مستشاري وكالة "رويترز" في شؤون الشرق الأوسط، محمد كركوتي، إنَّه "لا تزال السعودية قادرة على التعاطي مع المستويات الراهنة لأسعار النفط، لعامين كحد أقصى، لأنه (كما هو معروف) تتمتع بفوائض مالية كبيرة، كما أنها بدأت بالفعل تنفيذ سياسة اقتصادية جديدة، تحاول من خلالها إبعاد اقتصادها شيئًا فشيئًا عن النفط كممول أكبر لها".
ويضيف كركوتي "الأمر كله يرتبط بالوقت، أو بمعنى آخر، بمساحة طول نفس السعودية المالي، دون أن ننسى أنها تنفذ استراتيجية تنموية كبيرة للغاية، أعلنت مرارًا أنها لن تتأثر في هبوط العوائد النفطية، وما يجري حاليًا أنَّ المملكة تريد أن تكون معايير السوق النفطية المقبلة مختلفة عما كانت عليه في السابق".
ورأى أنَّ السعودية "إن استمرت في سياستها الراهنة الهادفة إلى إيصال السوق إلى مرحلة الاستقرار المقبول، فعليها أن تجد وسائل وطرق متجددة لاختصار المسافة الزمنية للوصول إلى هذا الاستقرار، وبالمناسبة لا توجد دولة نفطية على الساحة العالمية، قادرة على تحمل سعر برميل النفط بحدود 60 دولارا لأجل طويل، والسؤال الأهم: هل يستحق استقرار السوق النفطية وفق المعايير الثابتة الجديدة، التضحية بإيرادات تحتاجها السعودية وغيرها في هذا الوقت بالذات؟ هذا يشكل مخاطر، خصوصا لدى البلدان التي تعتمد على مصدر أو اثنين لا أكثر للتمويل الوطني".
القدرة على الصمود
من السعودية، صرّح الخبير الاقتصادي جمال أمين همّام لـ"دوت مصر" أنَّه "بلا شك أنَّ انخفاض أسعار النفط ليس مريحًا للدول المنتجة والمصدرة للنفط، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، الدولة الأكبر في منظمة أوبك من حيث الاحتياطيات النفطية المؤكدة، وحجم الإنتاج، والكميات المصدرة إلى الأسواق العالمية، ومن ثم المردود المالي الذي تستخدمه المملكة في تنفيذ المشاريع والإنفاق الحكومي الأكبر في المنطقة العربية، باعتبار أنَّ الموازنة العامة السعودية هي الأكثر ضخامة في المنطقة، وبلا شك أنَّ نسبة الانخفاض في الأسعار بنسبة قلت أو كثرت فهي تأتي خصمًا من إجمالي الناتج المحلي".
وأضاف همّام "لكن في دولة مثل المملكة العربية السعودية لن يؤثر هذا الانخفاض على الموازنة العامة للمملكة، ولن يؤثر كثيرًا على الاقتصاد الوطني السعودي، أو على الإنفاق الحكومي على الأقل في المدى المنظور، حيث مازالت أصول الاحتياطيات لدى مؤسسة النقد العربي السعودي "البنك المركزي" تمثل 2746.3 مليار دولار في عام 2014م، كما أنَّ قيمة الودائع المصرفية لدى المؤسسة تبلغ 1575.6 مليار ريال، وإجمالي الموجودات الأجنبية لدى المؤسسة تبلغ 2735.4 مليار دولار، وهذه مؤشرات على قوة الاقتصاد السعودي وقدرته المالية".
وأوضح أنَّه "كما أنَّ فائض الموازنات السعودية في الأعوام الأخيرة الذي تحقق بفضل ارتفاع أسعار النفط في الأعوام الأخيرة خفضت قيم الدين العام ليصل مع نهاية العام المالي قبل الماضي إلى 60 مليار ريال تقريبًا أي ما يمثل نسبة 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 82% للعام 2003، والحكومة السعودية ضخت الكثير من الأموال في إنشاء المشروعات الكبيرة خاصة مشروعات البنية التحتية، والإسكانية، والعقارية، والمواصلات وغيرها، ناهيك عن كون المملكة العربية السعودية عضو في نادي الدول العشرين الأكثر ثراءً على مستوى العالم، وأيضا للقطاع الخاص دور مهم في الاقتصاد الوطني وله مساهمة هي الأكبر على مستوى المنطقة".
طرق بديلة تعوض الخسائر
أمَّا الخبير الاقتصادي المصري الحائز على جائزة أفضل اقتصادي وعميد اقتصاديي أفريقيا للعالم، الدكتور تامر ممتاز، فصّرح لـ"دوت مصر" قائلًا: "انخفاض سعر برميل النفط أثَّر بالسلب على الاقتصاد السعودي في أكبر دولة في مجموعه الأوبك، ومن المحتمل أن يتم تقليل الدعم الحكومي وزيادة أسعار الوقود المحلى أو التقليل من طرح المشروعات العملاقة وتقليل الإنفاق العام وسيتأثر أسواق الأسهم خصوصًا للشركات التي تعمل بمجال البتروكيماويات".
وأضاف ممتاز "إذا استمر التعويض من الاحتياطي، فإن على السعودية أن تتجه إلى تخفيض الريال مقابل الدولار والذي استمر ثباته فترة طويلة محاولة منها في السيطرة على عدم استنزاف الاحتياطي المقدر بثلاثة تريليون ريال".
وبيّن أنَّ "المطلوب من الحكومة السعودية أن تقوم بتعويض الفروق برفع قيمة الضريبة التصاعدية على الأنشطة التي تدر أرباحًا عملاقه والتوسع في الصناعات التي تعتمد على البترول بدلًا من تصديره كخام فقط، وإنما الاستفادة من التصنيع للمادة الخام في ظل وجود أرقام منخفضه من وجود صناعة البتروكيماويات في السوق السعودي بالمقارنة مع الإنتاج الموجود حيث تستحوذ السعودية على 7% من الإنتاج العالمي".
وتنبأ أنَّه "مع وجود طلب عالٍ وارتفاع معدلات الاستهلاك في دول شرق آسيا مثل الصين والهند وانخفاض أسعار النفط أن يتم الاتجاه إلى هذا الطريق الذي سيعوض المملكة عن انهيار أسعار النفط ولاسيما أنَّ لدى المملكة الموقع الاستراتيجي والبنية التحتية التي تمكنها من ذلك".
لماذا تغامر السعودية؟
رغم استمرار هبوط أسعار النفط ووصوله إلى أدنى مستوياته منذ 2010، حيث أصبح سعر البرميل غالبًا يتراوح بمتوسط 60 دولار، فإن السعودية لا تكاد تمر مناسبة اقتصادية إلا وتؤكد فيها استمرارها بنفس إنتاجها، بل إنَّ التصريحات بدأت مؤخرًا تأخذ مسلك إمكان زيادة الإنتاج.
هنا يكون السؤال: لماذا تفعل السعودية ذلك؟ مع أنَّها لو قررت خفض الإنتاج فإن أسعار النفط بطبيعة الحال سترتفع بشكل سريع حتى أنَّ الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) عبدالله البدري، لم يستبعد في يناير الماضي خلال حواره مع وكالة "بلومبيرج" أن يصل سعر برميل النفط إلى 200 دولار إذا تراجعت الاستثمارات النفطية في ظل بقاء أسعار النفط متدنية عند مستوياتها الحالية، ولكنه أكد أنَّ غالبية استثمارات أوبك في قطاع المنبع لإنتاج النفط والغاز مستمرة حتى لو استمر سعر البرميل دون 50 دولار للبرميل، وألمح أنَّ "أوبك" مستمرة في إنتاجها وأنَّ من يخفض الإنتاج ربما يكون الدول التي خارج منظمة أوبك التي تتقدمها السعودية.
ببساطة، تفعل السعودية ذلك لضرب الاقتصاد الإيراني والروسي، حيث تلعب الدولتان دورًا في المنطقة لا يرضي السعودية، حيث تدعم الدولتان نظام بشار الأسد في سوريا وهو ما ترفضه السعودية تمامًا، كما أنَّ الدولتين يدعمون المليشيات الشيعية التي تنتهج سياسات طائفية ضد أهل السنة في العراق الذين هم على منهج السعودية دينيًا وهو أمر أيضًا ترفضه المملكة.
ومع استمرار انخفاض أسعار النفط انخفضت العملة الروسية "الروبل" لتفقد 35% من قيمتها منذ يوليو الماضي، وهو أمر يضر روسيا واقتصادها بالطبع، كما أنَّ إيران تنفق ملايين الدولارات يوميًا لدعم المتمردين الموالين لها في سوريا والعراق والآن في اليمن، إلى جانب أنَّ اقتصاد إيران يعتمد بشدة على الهيدروكربونات التي تشكل 60% من صادراته، وشكلت 25% من إجمالي الناتج القومي في العام 2013.
وهكذا استطاعت السعودية بسياساتها في مجال النفط أن تتسبب في خسائر للدولتين اللتين تعارض سياساتهما وتدخلاتهما في الشأن العربي، ولدى السعودية احتياطي مالي قدره 741 مليار دولار، وأعلنت عن فائض مقداره 15 مليار دولار في نهاية العام المالي الماضي، كما أنه بوسع السعوديين امتصاص تكلفة عجز الموازنة لعدة سنوات إذا تطلب الأمر ذلك.