كيف جعلتنا "السوشيال ميديا" صامتين؟
فاكر أنت أيام ما قبل السوشيال ميديا؟! لما كانت معرفتك مقتصرة على الناس اللي بتقابلهم في الحياة العادية بس، وكان اللي بتقوله أو بتعمله بتحكيه للمجموعة دي بس؟! دا كان حالنا لحد من كام سنة، لحد ما الفيس بوك وإخواته دخلوا حياة عدد غير قليل مننا وقلبوها رأسا على عقب.
الفيس بوك إدانا حيز يوصل صوتنا فيه لعدد أكبر من أي قعدة صحاب ممكن نتسمع فيها، إدانا مساحة شخصية نتكلم فيها براحتنا مع ناس بنختارهم بشروطنا مش بشروط الحياة، لأول مرة مش مجبرين نتكلم بس مع زملاء العمل/ الدراسة، مع العيلة أو حتى مع أصحاب بقوا أصحابنا لمجرد أن ظروف الدينا حطتهم في طريقنا.
الفيس بوك كان ملاذ للي ماعندهمش ناس تفهمهم في حياتهم اليومية، لقينا ناس شبهنا، كان ملاذ للي عندهم مشاكل في مهاراتهم الاجتماعية، في الفيس بوك ماحدش بيقاطعك، بتكمل كلامك وبتفرض رؤيتك في مساحتك الخاصة، المساحة اللي ساعات الحياة مش بتديهالنا. كام مرة اتمنيت يكون في حياتك زرار بلوك تتخلص بيه من الناس اللي بتهدد سلامك النفسي أو بتهاجمك أو بتسببلك ألم بأي شكل؟! الفيس بوك كان حياة موازية فيها "الأوبشن" دا.
الفيس بوك حتى كان نافذة لينا للعمل السياسي والمجتمعي، منبر تقول فيه رأيك اللي ممكن لأول مرة تلاقيه بيعبر عن كتير غيرك ماكنتش تعرف بوجودهم فى الحياة لولا السوشيال ميديا.
وبعدين؟!
زي أي حاجة ليها إيجابيات كان في سلبيات، السلبية الأهم من وجهة نظري للسوشيال ميديا هي أنها بعد مرحلة الكلام أجبرتنا على الصمت.. مش الصمت الحميد اللي وراه هدوء، صمت مُرهق، كأننا رجعنا لنفس النقطة اللي بدأنا عندها، نقطة عدم القدرة على التعبير عن ذواتنا، قيود الواقع اتنقلت للسوشيال ميديا بشكل أكثر إلحاحا.
كام مرة جه على بالك فكرة ما وحبيت تتكلم فيها فأدركت فجأة إنه.. الفكرة دي الفريند الفلاني والفريند العلاني اتكلموا فيها، قالوا كل اللي كان ممكن أقوله.. هو أنا يعني هضيف جديد؟!
كام مرة حبيت تقول رأيك في حدث ما.. وفكرت في الدايرة الجهنمية اللي بتدور حوالين كل حدث على الساحة: مؤيدين، معارضين يسفهون من المؤيدين، آخرون يسفهون من تسفيه المعارضين، ثم آخرون يسفهون من تسفيه المسفهين، وآخرون يسفهون من مجرد قولك لرأيك أيا كان، وهكذا دواليك في دوامة غير منتهية من الهري! أفكار ومشاعر وانطباعات وحكاوي شخصية واهتمامات حبيت تدونها وافتكرت أنها كانت محل تسفيه بشكل أو بآخر.. "أنت بتقرأ لفلان؟! دا انت سطحي أوي".. " أنت بتحب تسمع فلان؟! عاملي فيها عميق؟!".
حتى لو حبيت تشارك خبرة شخصية حزينة أو سعيدة، تحكي عن موقف مؤذي زي تحرش حصلك في الشارع أو موقف حلو عملته مع حد، لن تعدم أذكى أخواته، الخبير ببواطن الأمور اللي هيتهمك بالتأليف والمبالغة أو الرغبة في لفت الانتباه.
السوشيال ميديا خلت اطلاعنا على أفكار بعض أسهل، وبالتالي تأثرنا ببعض أو حتى تقليدنا لبعض أسهل، الفكرة الأصيلة بقت نادرة وحتى اللي بيطلع منك بإحساس بيبتذله آخرون لمجرد التقليد.
السوشيال ميديا هي الموطن الأصلي للفتّايين والفتّايات، هؤلاء اللي عندهم رأي قاطع لا يقبل الجدال في كل حاجة، حتى لو الحاجة دى قرار استراتيجي ماعندهمش أي معلومة بخصوصه غير انطباع سطحي.. برضه الكائن الفتّاى مش هيحرمك من رأيه اللي بيقوله بثقة وعنجهية ممكن تتسببلك في جلطة، وكل مرة هتيجي تقول رأي هتتراجع عشان بس ماتبقاش زي أخينا دا.
السوشيال ميديا حيث يحكم عليك الآخرون من "ستيتس" كتبتها فيكونوا رأي غير قابل للجدال فيك.
لأ.. مش كده بس، بعد الثورة وتساؤل الأهل والعائلة عن كنه البتاعة اللي عملوا بيها الثورة دي اللي اسمها الفيس بوك، حصل هجوم من الأكونتات العائلية، بقى امتلاكك لفيس بوك أكونت ضرورة من ضرورات الحياة، فجأة المساحة اللي كانت متنفس للفضفضة والتعبير عن رأيك أيا كان بقت محاصرة بالأقارب وزملاء العمل المتابعين عن كثب لكل ما تكتب، عشان لما يقابلوك يقولولك بحكمة السنين: "بس أنت الكلام اللي بتقوله على الفيس بوك دا مش عاجبنا!"
وأنت لسان حالك "منا عارف أنه مش عاجبكم! أروح فين طيب عشان أتفك بكلمتين من غير اعتبارات وحساب لرأي كل اللي أعرفهم؟!"
على السوشيال ميديا هناك فئة الـ bullies، المتنمرين، ودول بقى ناس ربنا ما يوريك يعني، شغلتهم في الحياة إقامة حفلات الشتيمة والتطاول والتسفيه من كل اللى مش عاجبهم رأيه أو كلامه أو لون قميصه، شلة "مؤذيون بلا حدود"!
بعد فترة من التعرض لكل العوامل دى بتوصل لمرحلة بتتحول فيها الكتابة أو المشاركة لعبء، كل مرة بتحاول تتكلم فيها الكلام بيقف على أطراف أصابعك قبل ما يوصل للكيبورد وأنت بتسأل نفسك ألف سؤال:
هو يعني اللي هقوله مهم؟!
هو اللي هقوله هيجيب لي الشتيمة؟!
هو اللي هقوله ممكن يوصل لقريب أو زميل ويعملي مشكلة؟!
يا ترى حد هيعتبرني سطحي أو مدعي أو تافه أو مبتذل؟!
هو اللي هقوله يعني ما حدش قاله قبل كده؟!
هي الناس ممكن تفهمني غلط؟!
هي الناس هتصدقني لو حكيت عن موقف سيئ زي تحرش مثلا حصلي تاني وتالت وعشرين؟ ولا هضطر أبقى في موقف دفاع عن نفسي، مما يعني مزيد من الإرهاق فوق التجربة السيئة اللي أنا أصلا عايز أحكي عنها عشان أبقى أحسن.. فى الآخر غالبا بتوصل لنفس النتيجة كل مرة.. بتمسح الكام كلمة اللى كتبتهم وتسكت أحسن، ولما يسألوك انت ليه مابقتش رغّاى زى زمان، هتهز كتفك وتقول.. مابقاش فى حاجة تتقال!