"الشركة".. مصطلح المخابرات الذي صار مرادفا للشبكات الاجتماعية
عام 1996، وقف الناشط "جون بيري باولو"، متحدثا لقادة العالم في مدينة دافوس، بغرض الحث على إخراج شبكة الإنترنت من دائرة المصالح التجارية، وجعلها أرضا محايدة للمستخدمين.
"باسم المستقبل، أسألكم يا من تنتمون للماضي أن تدعونا لشأننا؛ لستم أهلاً و لا تحلِّون سهلاً؛ و لا سلطان لكم حيث نجتمع"
على صدر موقع "فيس بوك"، وكنوع من تشجيعك على التسجيل، تجد عبارة: "فيس بوك مجاني وسيظل مجانيا، تبني فيس بوك قيمتها السوقية لعلامتها التجارية على أنها الصديق الحميم لكل من على الأرض، وتلك حقيقة لها وجهان، أن "فيس بوك" لن يكسب (منك)، حيث في الواقع سيكسب (بك)".
قمنا بفتح ملف حول "الخصوصية والشبكات الاجتماعية"، بهدف لفت الأنظار لممارسات تحولنا مع الوقت إلى مجرد "سلعة تجارية"، أو على حد تعبير الباحث في مجال الحريات الرقمية "محمد طاهر"، "ممارسات تجعل كل مستخدم يمنح "فيس بوك" يوميا 37 دولارا، مقابل نشاطه على الشبكة الاجتماعية".
حجم البيانات التى يمتلكها فيس بوك فى 20 دقيقة مرعب، ويعمل داخل مركز أبحاث خاص، لخلق نظام يسمح بتنظيم وتحليل تلك البيانات للاستفادة منها، في الوقت الذي يتهمه البعض بممارسات وصفت بـ"انتهاك الخصوصية".
الطرف الثالث.. الأخ الكبير
يفخر "سيرجي برين" و"لاري بايج"، مؤسسا "جوجل"، بتطور عملاق محركات البحث في مساعدة المستخدمين في وقت قياسي. لذا ستجد نتائج البحث تظهر لك بعدد الصفحات متبوع بزمن إجراء عملية البحث منذ ضغط الزر، وحتى انتهاء الروبوتات من إجراء خوارزمية النتائج، التي تظهر لك في زمن أقل من الثانية.
لكن، كيف تعرف "جوجل" إجابة كل سؤال؟ أليس هذا غريبا، أن تظهر لك النتائج مدعومة بموقعك الجغرافي؟!.
لو بحثت عن أي سلعة ترغب في شرائها، وإن كان كتاب صدر حديثا أو اسم فيلم تنوي مشاهدته، فإن "جوجل" ستظهر لك أسماء المكتبات والسينمات القريبة من موقعك الجغرافي.
وتقترح عليك خدمات محددة، كمثال إن كنت تملك هاتف "سوني"، وأدخلت كلمة مفتاحية من عينة "كاميرا ديجتال" بمربع البحث، فإن النتائج ستظهر لك مرتبة بطريقة تضع منتجات "سوني" على رأسها. فماذا لو ذهبت لتصفح بريدك الإلكترونى، أو انتقلت لموقع آخر مثل "فيس بوك"، ألن تفاجئ في حال ظهور إعلان يخبرك أن قريب أو صديق لك قد اشترى بالفعل منذ أيام كاميرا "سوني".
تلبية رغبة أصيلة وملحة لدى المستخدمين، هي الفرضية التي تقوم عليها مواقع الإنترنت، في حال عملاق البحث "جوجل"، المسؤول الأول على تغذية الويب وتطويره، فهو يلبي رغبة أصيلة لدينا، وهي "المعرفة"؛ دائمًا هناك من يملك سؤالا ما؟
أما فى حالة الشبكات الاجتماعية، فهناك الرغبة في التواصل، وحده الفيس بوك متهم، بخلق نمط حياة قائم فقط على التباهي. ما قيمة أن تشارك الآخرين حالتك العاطفية فتخبرهم أنك متحمس، ثم تحدد مكانك بمطعم "ماكدونالدز"، وتلحق كل هذا بصورة لك بجوار "البيج ميل"؟، ماذا تنتظر من متابعيك سوى الإعجاب.
أكاديمية الفنون بهولندا أنتجت عام 2010 سلسلة مقاطع فيديو ضمن مشاريع تخرج الطلاب، حول أنماط تحديث الحالة Status update، وهي متاحة على منصة Vimeo، تحت رخصة المشاع الإبداعي، ورغم أن الفيديوهات صممت لتكون كوميدية، لكنها مؤلمة بطريقة ما.
اطمئن.. أنت لست وحيدًا
منذ 10.000 سنة قبل الميلاد، كشف الإنسان عن رغبته في تدوين كل شيء قبل أن ينساه، ترك خلفه معلومات قيمة، عن طبيعة العلاقات الحميمة مع شركائه على هذا الكوكب، وذلك من خلال الكتابة على الجدران ـ الآن تفهم لماذا يملك الفيس بوك جدارا خاصا بك، يسمح لآخرين بالكتابة عليه ـ بعدها ظهرت خطوط التليغراف، وشبكات الهاتف، الذي ظهر معه مصطلح الخصوصية، وذلك مع دخول طرف ثالث هو "مشغل الخدمة"، الذي صار يملك قدرة تتيح له التجسس.
كان ذلك قبل عام 2006، أي قبل "تويتر" و"يوتيوب" و"فيس بوك".
صبيحة يوم، حدّث مؤسس "فيس بوك"، مارك زوكربيرج، حالته الذهنية من "مارك يلعب مع منتج جديد" إلى "أشياء لن تتغير، لكن شيء ما سوف يحدث.. هل تتذكر هذا اليوم.. ذلك هو اليوم الذى تحول فيه مليار و200 مليون شخص إلى موظفين داخل شركة الفيس بوك، بفضل اختراع زر الـLike".
جميعًا، نحب التواصل والمشاركة، لكن هناك 92 % من المتصلين بالشبكة يتركون خلفهم معلومات شخصية، البعض الآخر لا يقرأ سياسات الخصوصية. عدد قليل يعرف أن عليه التعامل بحرص مع مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن بعض اتفاقيات الاستخدام تتغير دون معرفتك.
ماكس شرمز وشركاؤه
فى أغسطس 2014، نشر خبر عن طالب حقوق نمساوي هو "ماكس شرمز"، رفع دعوى قضائية ضد شبكة "فيس بوك"، بتهمة انتهاك خصوصية المستخدمين. ودعا "ماكس" مستخدمي الموقع ـ المليار وقتها ـ للانضمام إليه، في دعوى قضائية أمام المحكمة التجارية في فيينا.
وانضم له حتى الآن 25 ألف مستخدم، من مختلف دول العالم، حسب موقع www.fbclaim.com الخاص بتلك الدعوى.
يطالب "ماكس" إدارة "فيس بوك" بدفع تعويض مادي لكل مستخدم، بسبب تورط الشبكة مع وكالة الأمن القومي الأمريكي "NSA" في برنامج PRISM، الذي كُشف عنه بعد تسريبات إدوارد سنودون الشهيرة.
سبق "سنودون" و"ماكس" عددا كبيرا من نشطاء الخصوصية على الإنترنت، مثل مؤسس ويكيليكس، جوليان أسانج، والجندي الأمريكي برادلي مانينغ، 27 سنة، وحركة كاملة وممتدة تدعم البرمجيات الحرة، وتعمل على كسر احتكار شركات معينة للويب.
ربما كان أخطرهم ما قام به "سنودون"، من الكشف عن وجود باب سري بكل قواعد البيانات الخاصة بالشبكات الإجتماعية، يسمح لخبراء وكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA"، ووكالة الطيران والفضاء الأمريكية "ناسا" من الدخول إلى بيانات المستخدمين المخزنة، وسحبها والعمل على تحليلها.
كل ذلك يتم بطرق قانونية، بفضل توقيع المستخدم على اتفاقية الخصوصية. والتي تتفاجأ عندما تعرف أنها تتضمن بنودا مثل "للشركة الحق بالاحتفاظ بنسخة منها، حتى لو حذفت بياناتك، يحق للشركة الكشف عن بيانات دون إخطارك للجهات القانونية، أنت تسمح للشركات تتبع موقعك حتى بعد إلغاء حسابك فيها، قد يتم عرض صورك الخاصة للبيع، وبالمثل فإن بيانات مثل تاريخك المرضي، تفضيلاتك الجنسية، ميولك العاطفية، قد تستخدم لمعرفة اتجاهات الرأي ببلدك، أو تفضيلك لمرشح انتخابي ما".
منذ عام 2009 وحتى أغسطس 2014، أطلق عدد من مستخدمي "فيس بوك" في مصر، حملات لم تجد صدى واسعًا، للتنصل من اتفاقية الاستخدام أو الدعوة إلى مقاطعة "فيس بوك"، بسبب اعتراضات حول تحديثات سياسات الخصوصية، والذي سمح آخرها لتطبيق الموقع على أجهزة المحمول، بالتجسس على رسائلهم الشخصية SMS.
الأمر ليس حكرًا على الشبكات الاجتماعية، فمعلومات المستخدمين هي الهدف الأهم لمعظم شركات التقنية، حيث تعمل كل البرامج وأنظمة التشغيل ومواقع الإنترنت، اليوم، على جمع كل ما تستطيع من معلومات عن المستخدم، بحجة توفير تجربة استخدام أفضل، يتم تخزينها في قواعد بيانات ضخمة، لانعرف مصيرها، وذلك هو مصدر القلق.
وشكلت حالة القلق دافعا قويا لتيار هاديء يتدفق بين جنبات الشبكة، من الباحثين في مجال الحريات الرقمية وخصوصية استخدام شبكة الإنترنت، كأحد المرافق العامة التي لا يجوز احتكارها، أو تقييد حرية استخدامها، ومنهم على سبيل المثال، المدون والباحث المصري "رامى رؤوف"، الذي أطلق من خلال شبكة Ask.fm مبادرة فردية للإجابة عن أبرز ما يقلق المستخدمين، حول كيفية حماية الخصوصية.
يعمل رامي وعدد من التقنيين على مشروع جديد بعنوان "متون"، حيث ينظم عدد من فاعليات لنشر وعي بكيفية استخدام التقنية، وذلك مثل فعالية "اسأل بتوع الكمبيوتر"، التي يمكنك البحث عنها على "فيس بوك".
بيان استقلال الإنترنت
اليوم أصبحت الحاجة مُلحة إلى إعادة قراءة بيان "جون بري بارلو"، حول استقلال الفضاء السيبراني، حتى قبل ظهور الشبكات الاجتماعية، حيث وضع إطارا عاما لمفاهيم الخصوصية والحرية الرقمية.
نحن نخلق عالما يمكن للجميع أن يدخلوه بلا ميزة و بلا حكم مسبق على عرقهم أو على قدرتهم الاقتصادية أو العسكرية أو على محل ميلادهم.
نحن نخلق عالما يمكن فيه لأيٍّ كان في أي مكان التعبير عن رأيه أو رأيها، بغض النظر عن قدر تَفَرُّدِ هذا الرأي، بلا خوف من أن يُكره على الصمت أو على التوافق.
مفاهيمكم عن الملكية و التعبير و الهوية، و الحراك و السياق لا تنطبق علينا، فكلها مبينة على المادة، و لا مادة هنا. -- جون بري بارلو
It's not every day I get a chance to feel like Big Brother *&* Winston Smith. http://t.co/Q5Elwl1Zoo pic.twitter.com/zfY2efI41s
— John Perry Barlow (@JPBarlow) March 21, 2015
لذلك سيظل الصراع قائما بين مستخدمي الإنترنت ومزودي الخدمة، حتى نصل إلى صيغة توافقية، تجعل إدارته عملية تفاعلية، شبيهة بمجالس إدارة موسوعة "ويكيبديا"، وليس مجرد عقود إذاعات، يبيع من خلالها المستخدمون أرواحهم لشيطان شركات تحتكر وتسخر البيانات، وهو ما رصده مترجم بيان استقلال الإنترنت، أحمد غربية، أحد العاملين بمؤسسة "أضف" للتعبير الرقمي، حول طبيعة الصراع في مصر.
وحتى يحين ذلك الوقت، تمسكوا بالحق في المعرفة أكثر حول طبيعة مجتمع البرمجيات الحرة، القائم على رخصة المشاع الإبداعي.