ملاحظات مهمة على مؤتمر شرم الشيخ
أكثر ما يخشاه الإنسان من كثرة الترويج الزائد للآثار المتوقعة لعقد المؤتمر الاقتصادي، الذي يبدأ أعماله في شرم الشيخ، وتصاعد الآمال في أنه سوف يفتح الأبواب على مصاريعها لحجم ضخم من الاستثمارات، يتوقع البعض أن يتجاوز 30 مليار دولار، بينما لم يتجاوز الحد الأقصى للاستثمارات الأجنبية والعربية قبل ثورة يناير 11مليار دولار.
أنْ يتصور المصريون لكثرة التوقعات وغياب دقتها أنّ المؤتمر سوف ينتج آثاره فور انتهاء أعماله، وأن ختام جلساته سوف يشهد توقيع المستثمرين القادمين من كل فج على عشرات العقود للبدء الفوري في تنفيذ عدد من المشروعات الكبرى سوف تغير وجه الحياة في مصر في غضون فترة زمنية محدودة، تؤكد الحكومة المصرية في تصريحات وزرائها أن دراسات الجدوى الاقتصادية لهذه المشروعات تضمن للمستثمرين فرصا ناجحة.
بينما يؤكد الواقع العملي أن الأمور لا تسير أبدا على هذا النحو، لأن قرارات الاستثمار قرارات صعبة لا تخضع فقط لعوامل الترويج والدعاية، وإنما يحكمها مجموعة من العوامل المعقدة ودراسات السوق يدخل الترويج ضمن فاعليتها دون أن يكون العامل الأهم والأكثر إغراء.
لأن القضية في جوهرها ليست فقط قضية عدد من المشروعات المهمة تحس الحكومة المصرية أولويتها وضروراتها، ولكنها قبل ذلك قضية سياسات تشكل حافزا رئيسيا للمستثمر على أن يجيء إلى مصر بحثا عن فرص واعدة ومأمونة لا يخالطها قدر كبير من المقامرة، ولا يعوق تنفيذها تواصل عمليات الإرهاب بصورة يومية، نعرف جميعا أنها تستهدف إفشال المؤتمر، وأن المصريين قادرون على اجتثاثها ويعملون بهمة من أجل تحقيق هذا الهدف، لكنّها مع ذلك تعكر مناخ المؤتمر وصفوه.
ولست أعرف أن كان مجرد تغيير وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم يكفي لإقناع المستثمرين بأن مصر قادرة على اجتثاث الإرهاب فى غضون فترة زمنية قصيرة، بحيث تصبح رسالة المؤتمر الأهم للعالم أجمع، أن مصر آمنة ومستقرة ومستعدة لاستقبال المستثمرين من كل حدب وصوب، وأن موقعها الجغرافي المتميز على مفترق طرق التجارة والملاحة الدولية باعتبارها همزة وصل تربط بين الشمال والجنوب والشرق والغرب يكفي ضمانا لنجاح فرص الاستثمار، أم أن الرسالة الأكثر واقعية التي كان ينبغي أن يحرص المؤتمر على توصيلها للعالم، تتجسد في رؤية أمنية واضحة، تؤكد للمستثمرين أن مصر قادرة على اجتثاث الارهاب، وأنها تملك خططا واضحة محكمة لحصاره وتجفيف منابعه وتصفية جيوبه.
ولهذا السبب ربما يكون ضروريا أن يخاطب اللواء مجدي عبدالغفار وزير الداخلية الجديد مؤتمر استثمار شرم الشيخ ليقدم للمستثمرين هذه التطمينات بحيث تصبح الرؤية الأمنية جزءا من رؤية شاملة للحكومة يرى رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب أنها ينبغي أن تركز أيضا على السياسات الاستثمارية الجديدة التي تستهدف إغراء المستثمرين وجذبهم، وتتجسد في قانون جديد للاستثمار تقول الحكومة إنه معروض لنقاش شعبى واسع، بينما لا نجد له أثرا واضحا فى أي مكان! يجعلنا نلم ببنوده ونتعرف على أهدافه وفلسفة صياغته، كما تتجسد فى قواعد حاكمة للفصل فى المنازعات التى يمكن أن تنشأ بين الحكومة والمستثمرين حول أي مشروع يجري تنفيذه، للأسف لم نتعرف على أي من بنود هذه القواعد الحاكمة!
ويبدو أن الحكومة تحرص على أن تظل هاتان الوثيقتان، مشروع قانون الاستثمار والقواعد الحاكمة لفض المنازعات، أسرارا لا يجوز إفشاؤها قبل انعقاد المؤتمر!
إنني لا أقلل من الجهد التي بذلته حكومة المهندس إبراهيم محلب من أجل الإعداد للمؤتمر، سواء الجهد اللوجيستي أو الجهد المتعلق بدراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات الضخمة التي تحرص الحكومة على ترويجها وتعتبرها أولوية مطلقة، خاصة مشروعات الطاقة التي تستهدف تغطية عجز فى الطاقة بلغ حجمه 30 ألف ميجا وات تحتاج إلى مشروعات عاجلة التنفيذ، إضافة إلى مشروعات محور قناة السويس، لكننا نطمع من حكومة المهندس إبراهيم محلب أن تكون جد مختلفة عن باقي الحكومات السابقة، خاصة أنها تملك قرون استشعار قوية تمكنها من معرفة عمق ما يجري في الشارع المصري.
وتبقى الحقيقة الأهم، أن مؤتمر شرم الشيخ مجرد بداية وباب مفتوح لدولة ديموقراطية قانونية تصر على تحسين جودة حياة مواطنيها، تملك موقعا جغرافيا فريدا يمكن أن يحيل مصر إلى مركز لوجيستى ضخم للتجارة الدولية تفيد وتستفيد، ويسكنها شعب نشيط يقدر على صنع المعجزات أن أحسن تنظيمه وحشده والارتقاء بقدراته، كما تملك تصميما لا يتزعزع على ضرورة هزيمة الإرهاب وحصاره وتصفيته، وتستطيع إنجاز هذا الهدف بالفعل كما أنجزته مرة سابقة فى ظروف أشد صعوبة، لم يتوافر لها عوامل النجاح الراهن التي تتمثل فى جبهة داخلية قوية متماسكة، ومجتمع مدنى شجاع يرفض خلط الدين بالسياسة ويقف إلى جوار الجيش والأمن وكافة مؤسسات الدولة ابتداء من الإعلام إلى القضاء يدا واحدة.