لماذا فشلت مبادرات تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر؟
مازالت المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر فى مصر تواجه مشكلة فى توفير التمويل اللازم لها، رغم أن هذه المشروعات تعتبر هى المحرك الرئيسى للاقتصاد المصرى، والتى يقع معظمها ضمن الاقتصاد الخاص غير الرسمى، الذى لا يخضع لرقابة الحكومة بشكل مباشر.
بداية مشكلة المشروعات الخاصة سواء صغيرة أو غير صغيرة، كانت فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الذى توجهت الحكومة فى عهدة بقوة صوب تشجيع رجال الأعمال، (الكبار فقط) حتى أنه ظهرت فى عهده حكومات أطلق عليها حكومات رجال الأعمال الذىن تزاوجوا مع السياسة، وأضافوا السلطة إلى النفوذ الاقتصادى، وهو ما دعم أنشطتهم وزاد من ثرواتهم، فى مقابل اختفاء المستثمر الصغير والمشروع الصغير الذى يوفر فرص العمل ويخلق طبقة متوسطة تكون بمثابة محرك استهلاكى للاقتصاد الكلي.
ولن نخوض فى تداعيات هذه السياسات الخاطئة على مدار أكثر من 30 عاما، فقد اختفت الطبقة المتوسطة من الشعب، وزادت البطالة حتى وصل عدد المتعطلين في عام 2011 إلى أكثر من 13 مليون عاطل، وازداد الأغنياء ثراء على ثرائهم، ورغم تحقيق الاقتصاد العام نسبة نمو تجاوزت الـ7% وقتها إلا أن هذا النمو كان مركز في طبقة معينة ومشروعات كبرى خاصة بقطاع واحد من الشعب وهم الأغنياء، ولم يشعر به الغالبية العظمى من المصريين، الذين انضم معظمهم إلى مستوى تحت خط الفقر، ثم حدث ما حدث من ثورة 2011 ثم عقبه ثورة 30 يونيو 2013.
ومنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة البلاد بدأ استراتيجية شاملة للإصلاح الاقتصادى، تقوم على عدة محاور، وكان من ضمن هذه المحاور التوسع فى المشروعات الكبرى، وخصوصا فى البنية التحتية مثل الطرق وبناء المدن الجديدة والزراعة وغيرها، وفى نفس الوقت شجع الشباب على بدء مشروعاتهم الخاصة الصغيرة، من خلال مبادرة توفير تمويل رخيص من البنوك العامة، وإنشاء مجمعات صناعية متخصصة، يتم فيها بناء مصانع صغيرة جاهزة وتسليمها للشباب لبدء مشروع خاص، بهدف أساسى هو توفير فرص عمل كثيرة وتشجيع الشباب على العمل الخاص، وإعادة تكوين الطبقة المتوسطة مرة أخرى لتكون قادرة على تحريك الاقتصاد الكلى.
إذن أين المشكلة؟ المشكلة هى أسلوب التمويل وطريقة تقديمه، فرغم برامج التمويل البنكى السابق الإشارة إليها، إلا أن البنوك لا تقوم بتمويل المستثمر الصغير لبدء مشروعه الصغير، لكنها تشترط أن يكون المشروع موجود بالفعل، ومر عليه وقت معين، ويحقق أرباح أيضا، ولا يحتاج هذا المشروع للتمويل إلا للتوسع فقط، وهذا التصرف يقوض الهدف الأساسى من المبادرة الرئاسية وهو خلق جيل جديد من المستثمرين وليس تمويل الموجود بالفعل.
وفى الفترة الأخيرة ومن وحى الحاجة وتعنت البنوك وصعوبة الحصول على قرض لتمويل مشروع صغير، لم يبدأ بعد، ظهر ما يسمى بشركات التمويل، وشركات التأجير التمويلى، وهى شركات بتقديم قروض لتمويل مشروعات صغيرة، ولكن بتيسيرات وشروط أقل بكثير مما تطلبه البنوك، وهو ما لاقى نجاحا كبيرا خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن البنوك تنبهت لهذا وأخذت فى شراء والاستحواذ على هذه النوعية من الشركات، وأصبغتها بصبغتها مرة أخرى وفرض نفس شروطها على الراغب فى الحصول على قرض.
ولذلك، فإن الحل هو أن تنتبه الحكومة ومن يمنح التراخيص للشركات التى تقوم بتمويل المشروعات الصغيرة، وأن تضع فى شروط الترخيص أن تكون هناك على الأقل نسبة من المشروعات التى يتم تمويلها هى مشروعات جديدة كليا أو تبدأ العمل لأول مرة، ويمكن أن تكون النسبة مثلا 25% من إجمالي القروض التى تقدمها الشركة، ولا يقتصر التمويل على المشروعات القائمة بالفعل فقط، لأن الهدف الأساسى من هذه المبادرة هو خلق جيل جديد من المستثمرين، وإتاحة فرص عمل جديدة، ودعم السوق بإنتاج المنتجات الصغيرة التى كان يتم استيرادها من الخارج مثل قطع الغيار الصغيرة.
كما أنه يجب أن يشمل ذلك البنوك والصناديق التى تقوم بتمويل هذه المشروعات أيضا، وإلزامها جميعا بتوجيه نسبة من القروض المخصصة للمشروعات الصغيرة إلى المشروعات الجديدة التى تبدأ من الصفر، وتعمل لأول مرة، دعما للشباب وتنفيذا لأهداف مبادرة الرئيس السيسى الحقيقية.