التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 05:08 م , بتوقيت القاهرة

كيف تواجه مصر مخاطر ارتفاع الديون الخارجية؟

أرشيفية للدولار
أرشيفية للدولار

تقوم مصر حاليا بتنفيذ أكبر برنامج إصلاح اقتصادى فى تاريخها، وهذا البرنامج له شقين أساسيين، الأول هو الحفاظ على قدرة مصر على الوفاء بإلتزماتها الثابتة سواء الداخلية أو الخارجية.

 والشق الثانى، هو تحدى مواصلة عمليات التنمية الشاملة فى كل القطاعات والوفاء بالاستحقاقات الدستورية، خاصة في الخدمات الحكومية مثل الصحة والتعليم..لكن كيف تستطيع دولة مرت بالظروف الاقتصادية والأمنية والسياسية التى مرت بها مصر، ومازالت، على مدى نحو 8 سنوات أن تفى بذلك؟  

وللإجابة على هذا السؤال، يجب أن نجيب على سؤال آخر أولا، وهو هل الديون المصرية في وضع آمن؟ وكيف نستطيع حل مشكلة الديون بشكل كامل؟

أولا، من الناحية الرسمية، فكل المسئولين يؤكدون أن مستوى الديون الخارجية التى بلغت نحو 80 مليار دولار مازالت في الحدود الآمنة، وهم يعنون بالحدود الآمنة، قدرة مصر على السداد، وهى من هذه الناحية بالفعل مصر قادرة على السداد.

 ولكن المشكلة أن هذه القدرة على السداد تكون على حساب أشياء أخرى، مثل أن جانبا كبيرا من واردات العملة الصعبة أصبحت توجه إلى دفع خدمات الديون فقط، دون دفع جزء من أصل الدين، أي أننا ندفع الفوائد فقط، وبالتالى ستقل الأموال المستثمرة من هذه الواردات، وإذا استمر الارتفاع في مستوى الدين الخارجى ستوجه كل الحصيلة إلى دفع الفوائد ومع مرور الوقت سنكون غير قادرين على دفع حتى الفوائد بسبب ارتفاع هذه الفوائد يوميا بعد يوم تبعا لارتفاع أصل الدين.

ثانيا، أن أغلب القروض التى تحصل عليها الحكومة في الفترة الأخيرة، هي قروض لسد العجز فى الموازنة العامة للدولة التى هى أصلا بالجنيه، وكان يمكن تدبير هذا العجز من مصادر أخرى محلية، لا تمثل نفس العبء الخارجى ويمكن التعامل معها بسهولة، مثل تنمية موارد الموازنة وطرق التحصيل، ووقف الهادر من الضرائب غير المحصلة، وتحصيل الرسوم المهدرة مثل رسوم السجل العينى للعقارات ورسوم المهدرة فى الأسواق العشوائية وغيرها من الموارد المحلية التى إن تم جمعها فهى كفيلة بسد عجز الموازنة محليا دون الاعتماد على الاستدانة الخارجية.

ثالثا، أن جزءا كبيرا من هذه القروض الخارجية توجه لمشروعات استهلاكية غير منتجة، أى أنها لن تساهم فى سداد قيمة القرض، بل ستكون هذه القروض وفوائدها عبئا على الدولة، مثل مشروعات خاصة ببناء وتطوير المدارس أو مشروعات الصرف الصحى التى لا تقوم الحكومة أصلا بتحصيل رسوم عليها، وتكتفى عمليات التطوير التى ترصد لها هذه القروض على دهان المدارس ورصد مكافآت للمدرسين، وبالتالى فإن هذه الديون لا يتم استثمارها بل يتم انفاقها، وتصبح هي وفوائدها ديون خارجية.

ولن أستمر فى سرد مخاطر الديون الخارجية فهى معروفة للجميع، ولكن ما سبق مجرد نموذج، والهدف الحقيقي منه هو الوصول إلى طرح حلول لهذه المشكلة، ومن هذه الحلول، التوقف عن اقتراض أى قرض خارجى إلا لتمويل مشروع استثمارى مباشر يكون له مردود اقتصادى ويحقق أرباحا نستطيع من خلالها سداد قيمة القرض وفى نفس الوقت تنفيذ المشروع.

كما يجب العمل على وضع خطة حكومية واضحة للتخلص من الديون الخارجية بالتدريج، خصوصا قصيرة الأمد منها وذات الفائدة الأعلى، سواء بالدفع المباشر أو القيام باتفاقيات لمبادلة الديون مع الدول الدائنة، مثل أن يتم تبادل دين معين بمشروع استثمارى فى مصر للجهة الدائنة وتقوم مصر بتوفير أرض المشروع وتراخيصه للجهة مقابل الدين، وهذه فكرة مجربة، ويمكنها أن تخلصنا من جزء كبير وخطير من الدين الخارجى.

ويجب أن تعمل الحكومة فى إطار خطة واضحة لزيادة موارد العملة الصعبة، مثل تحويلات المصريين بالخارج من خلال طرح مشروعات خاصة بهم يتم حجزها بالعملات الأجنبية وطرح حوافز لهم للمشاركة في ذلك، بالإضافة إلى العمل على زيادة الصادرات الصناعية بشكل كبير وتحجيم الاستيراد، خصوصا في السلع التى لها بديل محلي أو السلع غير الأساسية، وغير ذلك من الحلول الكثيرة لمواجهة الدين الخارجي.

ما سبق أيضا نماذج محدودة من الحلول القابلة للتنفيذ وليست صعبة ولا تحتاج إلا الإرادة الحكومية والحرص على التنفيذ حتى نجنب أنفسنا وأبناءنا مخاطر وصول الديون الخارجية لمستويات تضطر الدولة في يوم الأيام لقبول ضغوط خارجية بسببها في قضية ما أو تتخلى عن أحد ثوابتها القومية للدول الدائنة.