التوقيت الأربعاء، 06 نوفمبر 2024
التوقيت 01:07 ص , بتوقيت القاهرة

عمار يا دماغي.. خراب يا بلادي.. هكذا يفكرون!

حاشا وكلا أن تكون العبارة الموجودة في عنوان المقال هي إحدى عباراتي أو أن تكون من ضمن معتقداتي.. والحق أنها عبارة وجدتها مكتوبة على أحد الجدران التي تحولت بعد أحداث يناير إلى جرائد صفراء تحوي من العبارات ما يندى له الجبين، وما يجعل أي مصري يشعر بالخزي والعار كلما مر على المدونات الموجودة على جدران مصر الآن.. حيث تجد الشتائم والسباب بكل أنواعه وأشكاله.. وتجد "الكتاب" من كل الطوائف والفئات التي ترى أنها صاحبة حق أصيل في فرض رأيها بالقوة على أي شخص أو جهة، فتكتب وتشتم وترفع شعارات كاذبة ومضللة وسفالات تصل  إلى حد الجريمة التي يعاقب عليها القانون.


الإخوان بعد عزل رئيسهم حولوا جدران مصر كلها إلى سباب وشتائم في جيش مصر وشرطة مصر أولا.. ثم تحولوا بعد ذلك لسب الرافضين لممارساتهم الإرهابية .. ثم تحولوا لسباب الشعب المصري كله لأنه هو الذي فوض السيسي للقضاء على الإرهاب، فحدث ما حدث وما نعرفه ونعيشه جميعا من قتل على المشاع في كل شوارع مصر، ولولا تدخل الجيش والشرطة لحدث مالم تحمد عقباه.


وشباب الثورة من قبل الإخوان هم من ابتدعوا الكتابة على الجدران بحجة أنها جرافيتي، وكانت كلها عبارات ورسوم تسب الشرطة ثم الجيش ثم أي نظام مش عاجب أي حد، أما الأولتراس فقد اعتبر أن جدران مصر مِلكا خالصا له يكتب عليها شعاراته وعباراته التي يؤمن بها ويعتبرها قرآنه الذي لا يحق لأي أحد أن يجادله فيها أو يحاول، مجرد المحاولة، أن يظهر له خطأ فيما يعتقد.


أما عبارة " عمار يا دماغي خراب يابلادي"، فهي إحدى عبارات الأولتراس التي وجدتها مكتوبة على أحد الجدران.. والتي تعبر بكل صدق عما وصلنا إليه من خراب فكري، وبعد أن تحول الوطن على أيدي بعض العابثين إلى مجرد حفنة تراب عفن أو مجرد كلمات جوفاء لا تعني شيئا.


وبعد أن كان الوطن يمثل القيمة والقامة في حياة المصريين .. وكما يحدث في كل دول العالم التي تعتبر وطنها خطا أحمر  لايجرؤ كائن ما أن يتجاوز في حقه .. أصبح الوطن الآن في نظر البعض مجرد مكان لاننتمي إليه ولا نرتبط به ونسعى للهرب منه بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة.


العبارة رغم قسوتها إلا أنها توضح بجلاء شديد ما وصلنا إليه من التدني في المستوى الأخلاقي والوطني .. حتى أن البعض يرى أن دماغه العالية أهم من وطنه .. وأن دماغه لو كانت " معمرة" يبقى على الوطن السلام أو " الخراب " .


" عمار يا دماغي.. خراب يابلادي".. هكذا ينظر شباب الأولتراس إلى مصر.. إلى الوطن الذي مات من أجله الشهداء على مر التاريخ الطويل من عمر مصر ليدافعوا عنها ولتستمر وطنا لنا نحيا فيه رافعي الرأس فخورين بأن لنا بلدا مثل مصر.. ومازال الشهداء يتساقطون حتى الآن دفاعا عن مصر التي يراها البعض أقل شأنا من دماغه العالية التي يحرص كل الحرص على عمارها حتى لو كان الثمن خراب بلاده!


هكذا أصبح الوطن في نظر شباب مصر.. وبالطبع هم ليسوا كل شباب مصر.. لكنها نسبة ليست بالقليلة ولا بالتي يستهان بها أو يمكن تجاهلها.. وكما قال القاضي الجليل الذي أصدر حكمه العادل في قضية أحداث ستاد بورسعيد من أن الدولة لابد أن تولي اهتمامها بالشباب الذين تم التلاعب بعقولهم وحشوها بالمفاهيم المغلوطة من أعداء الوطن الذين عرفوا كيف يدخلون لمصر من أخطر ثغرة يمكن أن ينفذوا منها.. شبابها.. نعم شبابها الذي سيطروا عليه بأفكار غريبة وهدامة جعلته مجرد كاره لمصر لا ينتمي إليها.


ولا يقول قائل إن المشاكل المادية التي يقابلها الشباب والبطالة وووو إلخ.. هي السبب.. نعم قد تكون جزءا من السبب، ولكنّها لاتعني أن يفقد الشباب انتماءه وحبه لوطنه.. فما أكثر من عاش حياته فقيرا ولكنه كان في النهاية وطنيا محبا لبلاده لايبيعها بالغالي ولا بالنفيس.. بل منهم من مات في سبيلها دون أن يشعر به أحد لمجرد أنه يعشق تراب بلده ويضحي بحياته في سبيل رفعته وكرامته.


ولو كانت الظروف المادية حجة للبعض فما هي حجة من يملك المال والوظيفة ويسعى أيضا لخراب بلاده.. بل يحصل على المعونات الخارجية ليخربها ويدمرها !


الآن أصبحنا للأسف نعيش عصر الأولتراس الذي يرى أن عمار دماغه أهم من بلاده بل هو المعادل الطبيعي لخراب وطنه.. وهذا هو للأسف ما وصلنا إليه بسبب تهاون شديد من الدولة في التعامل مع مؤامرات كانت واضحة وضوح الشمس، ولكنها تجاهلتها وتعامت عنها حتى  استفحل أمرها وخرجت عن السيطرة.. كان من الطبيعي أن أي ناد رياضي يسعى لتكوين جماهير تحت أي مسمى هي في الظاهر للتشجيع، لكنها في الحقيقة للضغط على الدولة وعلى الاتحادات ومجالس الإدارة لتحقيق مصالح شخصية.. حتى وصل الأمر إلى أنهم يريدون فرض إرادتهم على الدولة وعلى الشعب لأنهم هم الصواب وغيرهم على خطأ  بل على خطيئة.


للأسف هذا ما وصلنا إليه على طريق الأيدي المرتعشة والحكومات الضعيفة والمتخاذلة أو حتى المتآمرة على مر سنوات مضت.. الأمر ياسادة يحتاج لتدخل من الدولة التي تساهلت كثيرا وتكاسلت أكثر.. ومن المنظمات الأهلية التي ساهمت بدور كبير في الوصول لما وصلنا إليه الآن من فوضى.. فهل نبدأ في الإصلاح أم نستمر على نفس سياستنا القديمة حتى نصل إلى الهاوية؟