دمي ودموعي.. وبلدي
يقولون في بلدي إن"التربة غربة"، و"أهلك لتهلك"، ويقولون أيضًا إن المصري هو الوحيد بين الجنسيات الذي يسافر ليعود، يعمل بعيدًا ليبني بيتًا في بلده ..وقبرًا. يقولون إن من يشرب من ماء النيل لا بد أن يعود له، فما بالك بمن لم يشرب غيره، يقولون إن لمصر حبها الخاص في القلب، لا يبرحه أبدًا وكذلك وجعها.
تبدو مصر الآن مثل الكرة التي تتقاذفها الأمواج، يومًا هنا وآخر هناك، لا ترسى على البر حتى الآن.. وربما أبدًا. تترك مصر في القلب جراحها العميقة، فلا أنت تبرأ منها ولا أنت قادر على تجاهلها، تصبح قدرًا ملازمًا لك، لا فكاك منه ولا مناص، ولا حق في الاختيار. مصر هى الحبيبة التي يُفجعك حبها، لكنّك لا تتركها، تبيت مثقل القلب، ثم تبحث عنها من جديد في الصباح.
مصر هي الوجع الذي تشعر به الآن، نعم.. أنت والآن في هذه اللحظة، ومن لم يتألم بسببها هو كاذب.. لا يحبها؛ فمصر هي الفرحة والألم في الوقت ذاته، هي الأمان والخوف، هي الشبع والجوع، هي القرب والبعد، هي الفهم والجهل، هي النور والظلم. مصر هي الفجيعة التي تتوقعها في كل لحظة، وهي اللغز الذي لا يُحل أبدًا، لن تملك الإجابة عن السؤال: لما لا تهرب؟ فأنت ببساطة لم تخترها موطنًا بل يبدو أنها اختارتك.
ربما أن أصحاب جنسيات أخرى يشعرون بالدهشة، فالوطن بالنسبة لهم هو مكان يحصلون فيه على الراحة، وكثير من الحقوق البديهية، لكن مصر بالنسبة للمصريّ هي أمر مسلم به، وهو أمر لا يفهمه سوى المصريين.. "المصريون" وحدهم. في هذه اللحظة الغريبة، وفي هذا التوقيت الذي لا عقارب لساعته، يبدو أن الضرورة الآن هو البحث "عن الذات" أيًا ما كانت تمثله هذه الذات.
يبدو أن المصاب بمصريته مسكين، فلا هو يحصل على الراحة، ولا هو قادر على الفكاك، لكن أتعلمون من هو المسكين حقاً؟ هو ذلك الذي يظن أنه يخدع هذا البلد "الكهين"، الذي خدع كل من استهان بذكائه.
ليس كل من يقرأ يفهم ..للأسف ..أو ربما أنه خير.
لكن على كل حال اللبيب بالإشارة يفهم.