النظافة.. مسؤولية من؟!
لاحظ بعض الشباب في مملكة البحرين شخصًا آسيويًا، يظهر في عدة أماكن في المملكة كل صباح قبل أن تدب الحياة في المدينة، ويظهر في يده كيس زبالة وهو دائم التجوال! ويعمل بكل جد وإخلاص في تنظيف المكان بدون تعبٍ أو مللٍ، وبعد أن ينتهي يربط أكياس الزبالة، بعد فصل المادة القابلة للتدوير ويضعها في حاوية الزبالة. وهكذا كل يوم. ففكروا أن يزكوه في مكان عمله كأحسن عامل نظافة مخلص أو ما شابه.. حتى قرروا تصويره بجهاز وإجراء حوار معه وعندما اقتربوا منه للتحدث معه كانت المفاجأة.
فقد تفاجأ الشباب بأن عامل النظافة ما هو إلا مليونير كوري؟! وهو يقوم بهذه المبادرة صباح كل يوم احترامًا للأرض والدولة، وحفاظًا على الصحة وبيئة المكان الذي يقيم فيه كمساهمة شخصية منه.. فكان هذا سبيله! صورة أخرى.. وهي للمشجعين اليابانيين عندما حضروا إلى الاستاد المغلق لتشجيع فريقهم وبعد انتهاء المباراة وقد خسروا.. التقطت الكاميرا لقطات ولا أجمل.. ما هي؟! إنها للجماهير اليابانية وهي تنظف المنطقة التي جلسوا فيها وشجعوا من خلالها.. فيالها من أخلاق!
القصة الأولى والثانية كانت لأناس ينظفون في أرض الغير وليس في بلادهم!!
استحضرت هاتين الصورتين في ذهني وأنا أتمشى في وسط البلد في قاهرة المعز، فعندما أخبرني صديقي بأن المحافظة-جزاها الله خيرًا- قامت بمنع وقوف السيارات وتنظيف وترميم المكان وجعله مكانًا ترويحيًا للسكان والأسر أولاً والزوار ثانيا.. وخصصته مكانًا للمشاة بعيدًا عن زحمة السيارات ومخاوف الحوادث.. فرحت حقيقة بهذا الخبر الجميل وهو أن القاهرة بدأت تُنَظَف وتُزَيَن لسكانها قبل زوارها.
بالفعل كان مكاناً جميلًا رائعًا، ولكن الناس للأسف برغم جهود الحكومة لا تأبه بقضية النظافة، وأنها مسؤولية الجميع.. فوجدت الشارع جميلاً والعائلات فرحة تتسامر وتأكل، والضحكات الجميلة تحيي المكان، ولكن للأسف القراطيس والزبالة ترمى في كل مكان وأمام عين الجميع، ومن الناس الذين من أجلهم تم تأهيل المكان.. بالرغم من وجود حاويات.. وفي هذه مشكلة عدم وعي!!
إن النظافة ليست مسؤولية البلدية بمفردها، بل مسؤولية كل فرد.. فهي مدينة الجميع.. والأدهى في الأمر بأن بعضهم ينتقدون مسألة عدم النظافة في حين أنها جزء من مسؤولياتهم .. فلماذا لا نرتقي بأنفسنا ونكون عونًا وجزءًا من الحل؟! وهي مدينتهم؟!ولماذا لا يتصرف المصريون خارج أرضهم على هذا النحو؟ أحد الأصدقاء من أهل المحروسة سافر إلى دولة خليجية.. يقول دخنت سيجارة وعندما انتهيت منها رميتها على الأرض لأطفئها..وقبل أن أدعس عليها سمعت أحدا من بعيد وهو هندي يقول لي: " لا بابا .. هذا ما في زين"، أي بالمصري ده ما يصحش! وأشار إلى الحاوية الخاصة بالبلدية.. شعرت بخجل شديد من نفسي، والكلام له، وبالفعل أخذتها ورميتها في مكانها الصحيح ولم أكررها.
قد يقول البعض بأنها مسألة بسيطة، ولكن القضية ليست كذلك.. ففيها ملايين الجنيهات تصرف في الصحة والبيئة والتنظيف واقتصاد مصر الذي بازدهاره يزدهر كل فرد والعكس صحيح يزيد معاناته.. ولكن في الأخير يظل الموضوع قضية سلوكيات تحتاج إلى تغيير وهي ضرورية لمصر الغد.
ولإيقاف هذا الاستهتار هناك حلان أساسيين وهما إعداد حملات علاقات عامة للتوعية بأهمية النظافة وعدم رمي المخلفات والبصق في الشوارع وما يسببه ذلك من أضرار على الاقتصاد والصحة والوطنية من خلال الإعلان والإعلام وأيضًا كبداية وضع مراقبين في الأماكن العامة الرئيسية، ليخالفوا من يقوم بهذه الفعلة الشنيعة بعد تركيب اللوحات التحذيرية وخلافه للتنبيه.
يا أهل مصر.. هذه أرضكم وهذه صحتكم وهذا اقتصادكم.. ومسؤولية النظافة لا تقع على عاتق الحكومة فقط ولكنّها أيضًا عليكم.. ولا تنسوا أن ديننا علمنا "أن النظافة من الإيمان"!