مسيحيّ ومصريّ!
أول يونيو هو عيد دخول السيد المسيح- عليه السلام- أرض مصر، فأي ألمٍ أن يحتفي به المسيحيون وبعض أسرهم تخرج منها مُجبرة؟! الأرض التي رحبت بالمسيح وأمه وحمتهما، هي ذاتها التي تضيق بأبنائها بعد ألفي عام!
لم يعد "تهجير" الأسر المسيحية من قراها سرًا، ومن يُنكر ذلك يدفن رأسه في الرمال ليس إلا، وبعيدًا عن التفاصيل التي ترتبط بكل حادثة من الحوادث التي ينطبق عليها وصف التهجير؛ فإنّ تكرار وقوعها على فترات متقاربة أصبح علامة تُنذر بالخطر، ليس لأن إجبار مواطن على ترك محل سكنه وإقامته هو وأسرته لا يجوز بأي حال من الأحوال فحسب، وليس لأن هذا هو إهدار واضح لحقوق المواطنة لمواطنين مصريين وحسب، وليس لأن هذه الحوادث تنضوي على تمييز على أساس الدين وحسب، وليس لأن هذه الجريمة لا تعكس سوى فتنة لم تعد نائمة وحسب؛وإنما أيضًا لأن وتيرة تسارعها أصبحت مقلقة لمن يفهم، مقلقة إلى حدٍ كبير، ولا تعني سوى أن "التهجير" أصبح عقابًا لمن يعتنق الديانة المسيحية في مصر عند وقوع أي خلاف معه، وهي مصيبة لو تدركون عظيمة.
واقعة تهجير خمس أسر مسيحية من قرية كفر درويش بمركز الفشن ببنى سويف، مجرد حادثة جديدة، تضاف إلى حوادث سابقة، في الوقت الذي يعيش فيه مسيحيو شمال سيناء مأساة أجبرتهم على الرحيل، بسبب الجماعات التكفيرية التي قامت بتهديدهم مما دفع الأغلبية العظمى من الأسر المسيحية في العريش إلى الرحيل خارجها.
إن المادة 64 في الدستور المصري، تنص على أن "يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم". والسؤال هنا: من المسئول عن وقوع هذه الجريمة أياً كان الشكل الذي تتخذه فى كل مرة؟ ما الذي يكفل حماية مواطن مصري يتعرض للانتهاك بسبب دينه أو عقيدته؟ ما الذي يرسخ إيمان هذا المواطن بأنه يعيش في "وطنه" ؟ بأن له الحقوق كافة وفقاً للدستور؟ من الذي ينزع الحزن الدفين والإحساس بعدم المساواة، وبعدم الأمان؟ من يكفل للمواطن المصري المسيحي أمانه؟ وكيف نمنع وقوع هذا التمييز؟ كيف نطفئ النار المُشتعلة بالفعل حتى وإن تجاهلها أولي الأمر؟
البيت الذى يسكن فيه هذا المواطن البسيط هو وطنه، وهذه القرية هي عالمه، لو تركهما ماذا تبقى له على هذه الأرض؟ لن يكون هناك فرق حينها بين أرض وأخرى، بين بلاد وأخرى، لن تكون مصر بيته ولا مقصده؛ فمن الكاسب حينها ؟ ومن الخسران؟.