التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 01:31 م , بتوقيت القاهرة

للمصريين.. أنا أحسدكم!

اسمحوا لي أن أحسدكم.. أعلم أن عندكم مشاكل كثيرة، اجتماعية واقتصادية وفساد وإرهاب، ومع كل ذلك أنا أحسدكم. نقطتان أساسيتان أحسدكم عليهما تجعلان وضعكم أحسن من وضعنا بمراحل.

الأولى هي الحرية ووجود حضارة داعمة. عندما أستمع لمحاضرات الدكتور يوسف زيدان في ساقية الصاوي وكيف يتحدث بكل جُرأة وصراحة تلميحًا وتصريحًا، ثم يعود إلى بيته آمنا دون الحاجة إلى مدرعة لتحميه، أتعجب وأنبهر. "الحرية" كفلها له القانون و"الحضارة" منعت الناس من قتله وسحله وهو يمشي في الشارع عائدًا إلى بيته. لو كان زيدان ابننا وقال هذا الكلام عندنا، ربما قتله الناس وصلبوه في ساحة المدينة عشرة أيام للعظة والعِبرة.

أحمد حرقان الملحد المصري يسجل برامج ويبثها ويُستضاف في التلفزيون دون مشاكل تُذكر، وعنده قائمة بالمصريين الملحدين مصرحين بأساميهم وصورهم وأقصى ما تعرضوا له هو أن بابا طردهم من البيت وبعض المضايقات. كل يوم أقرأ مقالة على دوت مصر تنتقد التراث الديني بكل قوة وأحيانا تتهكم عليه، ولا يزال كتابها يكتبون ويعيشون في أمان ويخرجون ليتفسحوا وعادي.

النقطة الثانية هي أن مشاكلكم كلها متفجرة. حتى الإسلاميين مسكوا الحكم عندكم سنة كاملة وجربتموهم. الفقر والبطالة والمشاكل الاقتصادية والسياسية كلها قد تفجّرت عندكم. جربتوا كيف تعيشون في ظل الانعدام التام للأمن وجربتوا أسوأ الأوضاع، تجاوزتوا بعضها ولازلتم تحاولون تجاوز البعض الآخر. القدرة على تجاوز هذه المشاكل وعلى تخطي الأيام الصعبة زاد ثقتكم في أنفسكم وثقتكم في أنكم أقوياء تستطيعون مواجهة أي شيء، وتراكم الخبرات عندكم ينفعكم في المستقبل. الخبرة والثقة والشعور بالقوة يزيد إحساسكم بالأمان.

في المحصلة أنتم تشعرون بالأمان أكثر منا بمراحل. عندنا وعلى السطح يبدو كل شيء هادئا وسلسا، ولكن الاحتقان وصل مداه على جميع الأصعدة، اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا. الفكر المتطرف متغلغل عندنا وتقريبًا موجود في كل بيت، ومع أول تزعزع في الأمن سيخرجون علينا كالزومبي أو مصاصي الدماء وسنحاسب على كل شيء فعلناه، حتى مقالي هذا ربما سأُحاسب عليه.

اليوم يبدو كل شيء مقبولا ونعيش في دائرة وردية وهمية أبعد ماتكون عن الواقع، ولكن الانفجار قادم، سينفجر كل شيء وسنواجه الواقع المرعب، حتى البترول سينتهي. ولأننا نعاني من ضعف في الخبرة وعدم وجود حضارة نرتكز عليها وتحمينا، ولأننا معتادون على الوصاية سنتخبط لسنوات طويلة قبل أن نعود ونركب سلم الحياة من جديد. أما المصريون فقد واجهوا الواقع كما هو ببشاعته وحين تخبطوا احتاجوا وقتا قليلا للتعافي وتصحيح الأوضاع.

أيضاً أحسدكم على وضع المرأة عندكم بس كفاية كدا أحسن تقولوا عليّ حسودة وتبدأوا تحرسوا مني وتخبوا عليا.. أكيد نفسكم تقولوا لي طيب متروحي تحسدي أوروبا وأمريكا أحسن وسيبينا في حالنا... معكم حق.