التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 09:39 ص , بتوقيت القاهرة

ماذا تعرف عن مبدأ أوباما ؟

يسعى كل رئيس أمريكي لتبني مبدأ أو فكرة أساسية تنطلق منها سياسته الخارجية، ويسجلها التاريخ باسمه. وقد تجنّب الرئيس أوباما الحديث بشكل مباشر عن مبدئه في السياسة الخارجية خلال السنوات الماضية، ولكنّه قرر أخيرا أن يضع حدا للاجتهادات بخصوص ذلك، وأعلن صراحة في حواره مع الصحفي الأمريكي توماس فريدمان أن مبدأه يتلخص في العبارة التالية "الارتباط Engagement مع الحفاظ على القدرات الأخرى".


الارتباط هنا يعني الدبلوماسية، أي أن الولايات المتحدة تعطي الأولوية للأداة الدبلوماسية في التعامل مع الدول الأخرى وخاصة خصومها، مع الاحتفاظ بحق استخدام الأدوات الأخرى الاقتصادية والعسكرية في حالة فشل الخيار الدبلوماسي.


يرتبط مبدأ أوباما بشكل أساسي بمنطقة الشرق الأوسط،، والإعلان عنه توافق مع توصل مجموعة "الخمسة زائد واحد"، وعلى رأسها الولايات المتحدة لاتفاق أولي مع إيران بخصوص برنامجها النووي، وبعد مفاوضات طويلة وشاقة بين الطرفين. اعتبر أوباما أن نجاح المفاوضات مع إيران هو دليل على صحة مبدئه.


ولكن مبدأ أوباما في الواقع يتجاوز موضوع التقارب مع إيران، ويتبنى رؤية أكبر للتعامل مع منطقة الشرق الأوسط. هذه الرؤية تقوم على محورين أساسيين:


المحور الأول هو تخفيض التواجد والارتباط الأمريكي بالشرق الأوسط
ويرتبط ذلك بتجربة التدخل الفاشل في العراق، والتي جعلت الرأى العام الأمريكى حذرا من التورط مرة أخرى في  مشاكل المنطقة، والتزام الرئيس الأمريكي بعدم الدخول في حروب جديدة، كما يرتبط أيضا بالانخفاض الكبير في حجم اعتماد الولايات المتحدة على واردات البترول من الشرق الأوسط، فمن ناحية  تنتج الولايات المتحدة الآن كميات ضخمة من البترول، وخاصة ما يُعرف بالبترول الصخري، والذي قلل من وارداتها البترولية من الخارج بشكل عام وجعلها تقترب من تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي من هذه السلعة، كما أن معظم وارداتها البترولية أصبحت تأتي من دول غير شرق أوسطية.


يضاف لذلك أن إدارة أوباما تؤمن بما يُسمى بالتوجه نحو آسيا، وأن القارة الآسيوية يجب أن تحتل الأولوية الاستراتيجية بالنسبة لها، إمّا بسبب الإمكانات الاقتصادية الهائلة لهذه القارة، أو بسبب تصاعد النفوذ الصيني بها وتخوف الولايات المتحدة أن يؤدي ذلك لطردها من هذه القارة أو استبعادها من التفاعلات التي تقودها الصين الآن لإعادة ترتيب آسيا. ويرى العديد من المحللين أن التوجه الأمريكي نحو آسيا يأتي على حساب اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط..


المحور الثاني هو إنشاء نظام لتوازن القوى بالمنطقة
 فبالرغم من سعي الولايات المتحدة  لتخفيض تواجدها بالشرق الأوسط، إلا أنها تتخوف في نفس الوقت من أن هذا الأمر قد يترتب عليه فراغ قد تملأه قوى معادية لها، أو قد يؤثر على تدفق البترول من المنطقة، ويؤدي الى ارتفاع السعر العالمي لهذه السلعة، وما له من آثار سلبية على الاقتصاديات الرأسمالية ومنها الاقتصاد الأمريكي، بالإضافة إلى أن حلفاء الولايات المتحدة في أوربا وآسيا مازالوا في حاجة لبترول المنطقة.


انطلاقا من هذه الاعتبارات، يؤمن أوباما بأن إقامة نظام لتوازن القوى بالشرق الأوسط وخاصة منطقة الخليج هو الكفيل بأن يساعد الولايات المتحدة على تخفيض تواجدها بالمنطقة، وفي نفس الوقت الحفاظ على الاستقرار بها. ويقوم هذا التوازن على قوتين هما إيران من ناحية والدول السُنية بالمنطقة من ناحية أخرى (دول الخليج بالأساس ويمكن إضافة مصر وتركيا لها)، وسيؤدى هذا التوازن في القوى إلى منع هيمنة دولة إقليمية واحدة على منطقة الخليج، واستمرار تدفق البترول، واحتفاظ الولايات المتحدة بعلاقة طيبة بطرفي توازن القوى.


وفي هذا الصدد ترفض إدارة أوباما وجهة نظر دول الخليج العربية، والتي ترى أن إيران تُمثل مصدر تهديد مباشر لأمنها ولعدم الاستقرار بالمنطقة، وأشار أوباما إلى أن التحديات الحقيقية التي تواجهها هذه الدول هي تحديات داخلية بالأساس و ليس الخطر الإيراني.


ويتطلب إنشاء النظام الجديد لتوازن القوى قيام الولايات المتحدة بالانفتاح على إيران وتطبيع العلاقات معها، وهو ما يتم وضع أساسه فى إطار المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي. ولكن في نفس الوقت قامت الولايات المتحدة بحثِ دول الخليج على تطوير قدراتها العسكرية لتحقيق التوازن مع إيران وتقليل اعتمادها على التدخل الأمريكي المباشر لتوفير الحماية لها.


وفى هذا الصدد جاء إعلان الرئيس أوباما أثناء القمة الخليجية الأمريكية فى كامب ديفيد في 14 مايو 2015 عن صفقات سلاح أمريكية ضخمة لدول الخليج. وارتبط بذلك أيضا قيام الولايات المتحدة باستئناف المساعدات العسكرية لمصر كرسالة طمأنة لدول الخليج بشأن حليفهم المصريّ. 


خلاصة الأمر، مبدأ أوباما يُعبر عن وضعين، دولي وإقليمي، جديدين، وضع دولي تعترف فيه الولايات المتحدة بأن قدرتها على التأثير لها حدود، وأنها لا تريد أن تتورط في نزاعات خارجية وخاصة باستخدام الأداة العسكرية. ووضع إقليمي يتسم بتراجع الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط والسعي لدمج إيران، وإقامة نظام للتوازن الإقليمي يتيح للولايات المتحدة الحفاظ على مصالحها دون الحاجة للتواجد الكثيف أو التورط المباشر بالمنطقة.