حوار| هبة حلمي: أردنا إنقاذ متحف العريش.. ولكن
لم يكن حادث تفجير مدرية أمن العريش الإرهابي بالنسبة لها، مصدرا واحد للحزن ككافة المصريين، فباعتبارها أثرية، كانت مدركة حجم المخاطر التي قد تكون لحقت بمتحف العريش بعد أن طالته قذيفتين من غدر الإرهاب.
استيقظت الفتاة العشرينية، كغيرها في إحدى ليالي يناير 2015، على خبر الحادث المدوي، لكنها لم تترك مجالًا للتقاعس والارتباك، وبدأت أمينة المتحف المصرية، في الاتصال بأعضاء الفريق المصري لإنقاذ التراث، والبدء فورا في إنقاذ المتحف، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، كما ستروي لنا هبة في الحوار التالي.
باعتبار هبة حلمي مسؤولة الاتصال بالفريق المصري لإنقاذ التراث، بدأت في تجميع الفريق، ورسم خط سير تحركاته من كافة أنحاء الجمهورية، وتجميع المعدات والأجهزة التي قد يحتاجون إليها، وخطة العمل التي سيبدأونها هناك.
وشرعت في الاتصال بوزارة الآثار لتسهيل استخراج تصاريح للسفر فورًا وإنقاذ متحف العريش، وفي لحظة كل شيء توقف، بعد فشل وزارة الآثار في استخراج تصاريح أمنية بالموافقة على سفر الفريق، فتقول هبة بأسى: "مسمحولناش بالتدخل".
استجمعت هبة المشاعر المختلطة التي انتابت الفريق آنذاك، في مبرر واحد، قائلة: "كل شخص اتعلم وكان مستعد إنه يسافر، كان عايز يطبق إللي اتعلمه وينقذ أكبر قدر، كان نفسه يوظف إللي اتعلمه في خدمة التراث .. علشان كدة شعر بخيبة أمل".
لم تكن هي المرة الأولى التي بدأت بها الفتاة العشرينية، ذات البشرة البيضاء مهامها كعضو في الفريق المصري لإنقاذ التراث.
فقد أعد لها القدر تنفيذ التدريب العملي، وإنقاذ تراث متحف الفن الإسلامي، حيث كانت الأحداث مختلفة، فقد تجمع الفريق المصري لإنقاذ التراث بشكل تلقائي ودون أو تواصل أو تنظيم أمام بوابة المتحف.
فالجميع كان شغوفًا بتوظيف ما تدرب عليه على الموقف ذاته، ورغم غياب الترتيب، كل شيء سار على ما يرام، واستطاع الفريق استخراج تصريح من وزير الآثار آنذاك، وقطاع المتاحف بدخول المتحف، ومن وزارة الثقافة بدخول دار الكتب والوثائق.
وبعد صمت ساد لبرهة، استرجعت هبة شريط الأحداث داخل متحف الفن الإسلامي، فالوقت الضيق على حد قولها، لم يحول بينهم وبين النتائج الطيبة والتصرف الجيد، رغم أن الوقع المحدد لهم في التواجد في المتحف محكوم بآخر خيط من خيوط النهار، نظرًا لعدم تواجد الإضاءة.
لم يكتف الفريق المصري لإنقاذ التراث بما تم إنجازه حتى الثامنة مساء بمتحف الفن الإسلامي، وانتقل بعدها إلى دار الكتب والوثائق، ليكمل مسيرته حتى الواحدة بعد منتصف الليل، في وجودة وسائل إنارة متاحة، وبدأ الجميع في عمل إسعافات أولية لجميع المقتنيات.
شرحت مسؤولة الاتصال بالفريق المصري لإنقاذ التراث، الأسس العلمية للإسعافات الأولية للتراث والآثار في حالة الكوارث والأزمات، فقالت: "الاسعافات الأولية هي رفع الضرر عن المقتنيات، ومنع حدوث أضرار جديدة، وتهيئة الأثر فيما بعد لمرحلة الترميم".
وحينما سألناها على مدى استعدادها للسفر وإنقاذ التراث والآثار بالخارج، لم تتردد عن الرد بالإيجاب قائلة: "طبعًا مستعدين لإنقاذ أي مكان أثري، التراث ملك العالم كله، مش ملك البلد إلي هوا فيها بس"، وأكدت أنها لديها استعداد لإنقاذ أي مكان أثري بالعالم، وليس فقط بالدول العربية.
إلا أنها وضعت شرطا واحدا لتلك الخطوة وهو توافر حد أدنى من الأمان حتى يتمكن الفريق من إتمام أعماله، مؤكدة أن الفرق مؤهل للتعامل مع كافة الفرق الأمنية سواء إذا كانت لحمايته، أو لحماية الأماكن الأثرية.
وفي لحظات من التأمل، ارتسمت على هبة ملامح الحزن، حينما سألناها عن أبرز الأحداث التي استفزتها، وكانت تريد على الفور السفر لإنقاذها، مجيبة: "نيبال .. ناهيك عن عدد الضحايا البشرية، في معابد كاملة اتهدمت، وخسروا تراث أثري كبير نتيجة الزلزال".
وتابعت بحسرة: "وماحدث في متحف الموصل على مرأى ومسمع من الجميع"، فما حدث لحضارة العراق على حد قولها، هو أصعب أنواع الاغتصاب المحزن للأثريين المصريين بالأخص، نظرًا لقرب وأهمية الحضارتين المصرية والعراقية القديمة، والتي طالبها الكثير من الدمار.