التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 12:36 م , بتوقيت القاهرة

فيه حاجة غلط !!

هي مصر رايحة على فين؟ سؤال يصفع آذاني كلما ألتقيت أحدا ممن يظن بي علم الغيب، وتحديدا غيب مصر المخبوء خلف برامج التوك شو ومغامرات السياسيين في الحكم كانوا أم في المعارضة، وما تقدمه لنا يزيد المرء تيها بل وبلاهة في بعض الأحيان، الناس في بلادى يخشون المستقبل، البعض يُفكر بالتمني محسنا الظن بنظام سياسي جديد، بدا في دور من أنقذ البلاد من هاوية محققة، لكنه لم يقدم حتى الآن رغم الجهد في مشروعات من نوعية حفر القناة أو مد شبكات طرق، ما يبدد خوف شرائح واسعة على المستقبل الذي في تقديري لا يكفي أن نطمئن عليه من خلال مشروع هنا أو  هناك، فإدراة دولة تختلف عن إدراة المقاولون العرب.


تواجه مصر تحديات متعددة، أولها ضعف ثقافة وبنية مؤسسات الحكم التي ترهّلت حتى وصلت إلى أحد معوقات النهوض أو حتى الحركة، هذه المؤسسات تقاوم كل محاولة للإصلاح بشراسة وتمضي في الغالب عكس مراد صانع القرار، خصوصا مع تحول بعضها إلى مؤسسة فوق الدولة ومن مؤسسة في خدمة المواطن والوطن، إلى مؤسسة في خدمة أعضائها وموظفيها.


هل يستطيع أحد أن يقنعني أن وزارة كالثقافة التي من  المفترض أن تكون في طليعة المؤسسات التي تنهض بمكافحة التطرف والإرهاب، تنفق 85 % من ميزانيتها على المرتبات والمكافآت ستكون قادرة على أن تنفق على أنشطتها 15 % خصوصا في ظل غياب أي رؤية إبداعية لقيامها بأدوارها.


هل يمكن أن نتوقع أداء إعلاميا حكوميا مناسبا من إمبراطورية ماسبيرو، التي تراكمت ديونها لتصل إلى أكثر من عشرين مليار جنيه، وقنوات وصلت إلى 43 قناة مملوكة للدولة أن تقدم لمسيرة الإعلام أو التنوير شيئا يذكر، هل تعلمون أن عدد موظفي الأمن في مبنى ماسبيرو أكثر من عشرة آلاف موظف، ينتشرون داخل المبنى دون أي عمل حقيقي، هل تعلمون أنه تم زيادة مرتبي موظفي ماسبيرو بعد الثورة والغالبية منهم لا تؤدي أي عمل، خصوصا مع بطالة مقنعة وصلت إلى 40 ألف هل نتوقع من ماسبيرو فعلا بهذا الحال.


هل نقدم تعليما في مدراسنا له صلة بالعصر؟ أم أن التعليم لم يعد يعبر سوى عن عدد السنوات التي قضاها الإنسان في مقاعد الدراسة؟ ومتى تنتهي عندنا إزدواجية التعليم القائمة على تعليم ديني وتعليم مدني، متى يكون لدينا شخصية وطنية واحدة؟ ما هو الكود الأخلاقي المصري الذي تتعاون على صيانته ورعايته المؤسسة التعليمية والإعلامية والثقافية والدينية؟


هل يصح الحديث عن تصحيح الخطاب الديني ونحن لم نلتفت للعلوم والمعارف الدينية التي لم تخضع لتطور منذ قرون، انظروا إلى مناهج الأزهر لتكتشفوا الكارثة، هل من الممكن أن نحظى بخطاب ديني مستنير في ظل تركيبة الأزهر الحالية.


ثم نأتي للسياسة التي كان من المفترض أن تكون القاطرة التي تمضى بالبلد إلى الأمام، تبدو القوى السياسية في بلادنا تخضع لنفس الثنائية القديمة، تيار يمين ديني تقدم لحكم البلاد وهو غير مؤهل، ومضى في شبق وتعجل لإنفاذ مشروعه لا يلوي على شيء، ومن أول لحظة اصطدم به الجميع النظام القديم ورجاله ومؤسساته، فضلا عن القوى السياسية التي تقدمت المشهد وطالبت بإزاحة هذا النظام ولو بالانقلاب على كل قواعد اللعبة، حتى لو جاءت على حساب طموحها في أن تجرب نفسها وبرامجها في الحكم، هذا إذا كان لديها برامج بالفعل أو بدائل، ومن ثم عدنا للصيغة القديمة أحكام الضرورة.


وتعلقنا بالمؤسسة الوحيدة التي احتفظت بالحد الأدنى من التماسك والانضباط، التي تقدمت للمسؤولية لكنّها بدت مرتبكة تتشكك في الجميع، تتحسس موضع أقدامها تخشى الخطأ فتقف في المكان، تنظر فتجد احتقانا سياسيا واجتماعيا فلا تفعل إزاءه أي شيء، شلل اقتصادي دفع بعض رجال الأعمال في صمت إلى إعداد خطط الانسحاب المتدرج من السوق الذي وصلته الرسالة فتخضع لهم بالمزيد من التشريعات.


إذن نحن أمام حالة شلل سياسي واقتصادي واحتقان اجتماعي، يهدد الحد الأدنى من سلم هذا المجتمع بما يفرض على العقلاء في هذا البلد أن ينزعوا فتيل الاحتقان، بالدعوة إلى ما نصت عليه خارطة الطريق في بعض بنودها، وهو تشكيل لجنة من العقلاء لإصلاح ذات البين، تضع خارطة طريق جديدة لهذا البلد تبنى على ما تحقق، وتسعى لتحقيق ما لم يتحقق حتى الآن، هذا ما أظنه واجبا الآن وإلا سيبقى فيه حاجة غلط،  لن تصل بنا لبر الأمان، اللهم بلغت اللهم فاشهد.