التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 01:19 م , بتوقيت القاهرة

الرحاب: ممنوع الدخول

مدينة الرحاب الجميلة قررت، أو قرر مجلس إدارتها الحفاظ على جمالها بإحاطتها بأسوار عالية وإغلاق بواباتها أمام من لا يحمل ما يُثبت أنه من قاطنيها أو زائريهم.. وحسب ما جاء في الصفحة الرسمية لمدينة الرحاب أن مشروع السور قد تم الإعلان عنه في شهر مارس الماضي، حتى يبدأ ملاك الوحدات بتسديد تكلفة السور بحيث يبدأ بناؤه بعد انقضاء الشهر الحالي.. ويبدو أن هذا القرار سيكون مثار مناقشة باعتباره مسارا شائكا سيمثل بداية قد تحتذيها المدن الأخرى أيضا.


في العالم الطبيعي غير المصنوع بالأيدي البشرية لا توجد أسوار يحتمي وراءها نوع من المخلوقات وينعزل عن غيره.. ويشيع التنوع في كل أقسام العالم الطبيعي.. فتعيش المخلوقات المفترسة مع فرائسها على أرض واحدة وتحت ظروف طبيعية متماثلة.. ولكن هذا القانون الطبيعي قد لا يصلح كثيرا للعالم البشري المعاصر الذي وصل إلى مقدار من التعقيد يصعب معه تطبيق شكل الحياة البسيطة في الغابة.. فالمفترسون من البشر أشد فتكا وأعظم تسليحا.. ومن حق البشر المتحضرين حماية أنفسهم بشكل حضاري وقانوني من هجمات المعتدين..


وإذا نظرنا من الناحية القانونية فلسكان الرحاب الحق في حماية ممتلكاتهم أي مدينة الرحاب كلها.. فهم بالفعل قد بذلوا من أموالهم عبر سنوات طوال ما جعل المدينة جميلة ونظيفة وراقية ومتميزة.. وللحفاظ على هذا التميز ما زالوا يدفعون الأموال ويتكبدون ما لا يتكبده غيرهم من مصروفات دورية للتمتع بهذا التميز هم وأولادهم.. وهكذا لابد من الاعتراف بحقهم في حماية هذا التميز بل ومنع من لا يشترك في التكلفة من الاستفادة من المميزات.. وقد يكون ضمن هذه الميزات قدرا من الحرية في الحركة داخل المدينة مصحوبة بالشعور بالأمن يود قاطنو الرحاب الحفاظ عليها.. وربما انفتاح المدينة دون ضوابط يسمح بدخول بعض من يتعدون على حرية السكان وأمنهم ويبقى للمدينة الحق في منع هؤلاء بالقانون من الدخول.


بعيدا عن القانون ومحاولة للتقرب من أوضاعنا الاجتماعية المتردية وفروقنا الطبقية المرعبة واختلافاتنا الثقافية المخيفة فلننظر الآتي:


في الصين وأثناء القرن الخامس عشر كانت أسرة مينج الملكية قد وضعت نظاما للمدينة، بحيث يسكن الأغنياء من الطبقة الأرستقراطية في وسط المدينة حول المعبد الرئيسي الذي يقع في وسط العاصمة بالضبط.. وكان الناس من الطبقات الأقل يسكنون على أطراف المدينة، ولكن لم يوجد جدار فاصل بين هؤلاء وأولئك.


وفي إنجلترا، بالتحديد في لندن ومنذ القرن السابع عشر كان الأغنياء يبنون بيوتهم غرب المدينة بينما يقطن الفقراء في شرقها.. ولم يكن هناك جدار فاصل بينهما.


ومع هذا عندما تقوم ثورات الفقراء ضد الأغنياء وهي كثيرة في تاريخ العالم كله، غالبا ما يسطو الفقراء على بيوت الأغنياء كما في الثورة الفرنسية وبعدها الشيوعية في روسيا حتى لو لم يكن جدار الفصل العنصري بناء ملموسا.


والسؤال هو: ألا تعتبر الأسوار بمثابة إلقاء الضوء على هذه البقعة الجميلة وكأن سكانها يقولون نحن متميزون لذلك نحمي أنفسنا؟ ألا تجذب الخزائن النظر إلى أن خلفها كنز؟ إذا ركبت سيارة فارهة، ألا تثور أحقادا طبقية عند كثيرين ممن حولك في الشارع مترجلين كانوا أو حتى أصحاب سيارات أخرى عادية؟ ألن تصبح الأسوار قاعدة لكل المدن المتميزة ونجد لكل منها أسوارا وبوابات أمن وكروت ممغنطة؟


نعم القانون يسمح بذلك.. وأوافق تماما على أن من حق الانسان أن يعيش في بيئة نظيفة وأن يحافظ عليها.. ولا ينكر أحد أن من يدفع تذكرة الدرجة الأولى يتمتع بمزاياها وأن العالم كالقطار درجات وطبقات.. كما أنني شخصيا ليس لدي مشكلة مع الأسوار والبطاقات الممغنطة فلدي قليل من الأصدقاء يقطنون الرحاب.. وهيتصلوا بالبوابات ليسمحوا لي بدخول المدينة – هذا إن لم يتنكروا لي وقتها.. لكن كل ما أخشاه هو أن تصير الرحاب وغيرها مدنا (تحتها خط) وموضوعا لإثارة الأحقاد الطبقية، والاقتصادية أيضا.


الموضوع شائك ويحتاج مزيدا من التفكير لضبط الأمر وتحقيق التوازن بين مايسمح به القانون وما يشكل خطرا اجتماعيا، بين أمن السكان الحالي المؤقت وأمنهم هم أنفسهم على المدى البعيد.