سبوبة المنشقين عن الإخوان
لم يحدث في تاريخ جماعة الإخوان انشقاق حقيقيّ، وكانت كل المحاولات هي فردية، ولهذا أسباب متنوعة ومتعددة، قد يكون أهمها البناء الهرمي للجماعة، وسياسة التجميع التي جعلت التنظيم جامعاً لأفكار متنوعة، وضبابية أفكار الجماعة، التي لا يوجد فيها حتى اللحظة كتبًا أو دراسات تعبر بشكل مباشر عن المعالم الفكرية لها، والأهم هو التربية والتكوين على قدسية القائد.
لكن الانشقاق بمفهوم انقسام الجماعة إلى قسمين، لم يحدث مطلقًا، وظلت الجماعة محافظة على كيانها، وكان أهم انشقاق وقع في تاريخ الجماعة، هو انشقاق الشيخ الباقوري الذي تولى فيما بعد وزارة الأوقاف أيام عبد الناصر، والشيخ محمد الغزالي رحمه الله، لكن انشقاقهما لم يؤثر بأي شكل على البناء التنظيمي للجماعة.
كانت الجماعة تواجه مشكلات متنوعة، وفورات وثورات داخلية، بطلها كان في الغالب الشباب الذين كانوا يريدون إعادة الهيكلة، وأخذ دور أكبر، وقبيل ثورة 25 يناير بأيام حدثت مشكلة كبيرة في هذا القبيل، وبعد الثورة حدثت مناوشات كثيرة، واجهتها الجماعة بالقمع، والفصل في أحيان كثيرة، وظلت الجماعة كما هي محافظة على وحدة بنائها بغض النظر عن سيطرة جناح معين على التنظيم.
عقب 30 يونيو، شهدنا عشرات الكيانات التي تُعبر عن منشقي الإخوان، ومنها على سبيل المثال (أحرار الإخوان)، (إخوان منشقون)... ألخ ألخ.
هناك من انشقوا عن الإخوان بسب خلافات شخصية، أو خلافات مادية، وهؤلاء ظلوا يحملون نفس الفكر، وحين تنتهي أزمتهم يمكن أن يعودوا، لذا فالانشقاق قد يكون هو بوابة خلفية للعودة للجماعة (لاحظ على سبيل المثال المنشق هيثم أبو خليل، وكيف ألف كتاب ينتقد فيه الجماعة، وكيف عاد بعد 30 يونيو للتنظيم وهرب لتركيا؟).
وهناك من انشقوا بسبب خلاف حول الرؤية، وهؤلاء هم كثيرون، لكنّهم فضلوا الابتعاد عن المشهد، حتى تنتهي أزمة الجماعة، لعل وعسى أن يستطيعوا فيما بعد معالجة التنظيم من الداخل وليس من الخارج، ورؤية أيهما أولى الإصلاح من الخارج أو الداخل، موجودة في كل التنظيمات وليس الإخوان فحسب.
وأصبح المنشقون عن الإخوان، هم أبطال الفضائيات، وضيوف دائمين، على برامج بعينها، لدرجة أن هناك أعضاء ظهروا وهم ليسوا فى جماعة الإخوان أصلاً.
ولم يدرك السادة المسؤولون أو معدو البرامج، أن هناك فرقًا بين المنشق والعضو السابق، فخلطوا في ذالك تماما، فالمنشق هو الذي ترك التنظيم لكنه لم يترك فكر الجماعة، أما العضو السابق، فهو الذي ترك الجماعة فكرًا وتنظيمًا، وأصبح الجميع في العرف منشقين وهي كلمة تحمل إساءة بالغة لمن راجع نفسه وترك الجماعة فكراً وتنظيماً.
وظل المنشقون خلال الفترة الماضية هم الأكثر طلباً في الفضائيات، لسببين أولهما الواجهة الاجتماعية التي يحصل عليها المنشق نظير ظهوره فضائيًا، والثاني هو أن تلك الفضائيات أو وسائل الإعلام، تحقق ما تريد من إساءة للجماعة، سواء صدقًا أو كذبًا.
وأقام بعضهم مؤتمرات، لم يحضرها سوى العشرات، وادعوا أنهم بصدد تأليف كتب للمراجعات الفكرية، أو تصحيح المفاهيم، وصدقهم البعض، رغم أنهم لا يملكون لا آليات، أو إمكانات علمية تؤهلهم من ذلك.
واستغل بعض المنشقين، هذا الوقت، في جنى الأرباح والشهرة، وخططوا لذلك جيدًا، رغم أن هذه الكيانات على الأرض لا وجود لها، وقد تجد بعضها عبارة عن فرد واحد، أو تجد كيانًا من المنشقين كل قوته أنه عبارة عن 5 أفراد، فقط لا غير.
الانشقاق أصبح سبوبة، وهناك فرق بينه وبين الإصلاح، وبين الانشقاق، وبين تصحيح المفاهميم والمراجعة وبين الصلح، والذين يتاجرون بهذه القضية لا يفلحون، والذين يصدقون هؤلاء الكاذبين أيضاً لن يفلحوا.