خليه يمسكها يا فوزية
من الطبيعي في بلاد كبلادنا أن تتعاطف مع النساء، ليس فقط لكونهن مستضعفات ومضطهدات في ثقافتنا بكل مكوناتها، ولكن لأن التعاطف مع من يضطهدهن والاقتناع بمنطقه والترويج للسخافات المبتذلة ضد المرأة من المرأة نفسها يأخذ أشكالا غريبة تؤكد وجود تشوهات نفسية عميقة.
لن تتمكن من إدراك معنى تشوه السلوك الإنساني إلا عندما تجد فتاة تلوم فتاة أخرى أو أم تقرع ابنتها بسبب تحرش الرجال بها، إنها تلومها في الواقع لشيء لا اختيار لها فيه هو كونها امرأة، وهو ما يعني أنها تحمل هي ذاتها شعورًا داخليًا بالذنب من كونها امرأة.
الأمر لا يتوقف عند التحرش، فهي تلومها إذا حاولت أن تبدو جميلة، وتلومها إذا أحبت شخصا من خارج المقررات، وتلومها وحدها على فشل زواجها. تلومها على طلاقها، وتلومها أكثر بعد طلاقها لكونها أصبحت مرشحة محتملة لجلب العار إن لم تكن جلبته بالفعل بمجرد طلاقها، تلومها إن أنجبت ولم تتفرغ لرعاية أطفالها، وتلومها إن أخرت قرار الإنجاب، وتلومها حتى إن لم تستطع الإنجاب بأن تتفهم رغبة الأبوة عند الزوج، بينما لم تكن لتتفهم رغبة ابنتها في الأمومة.
المرأة إذن في مجتمعاتنا هي التي تُختن ابنتها، أو تختن حفيدتها، فلا ترى لهن أي حقوق في الاستمتاع بحياتهن كما ينبغي، طالما أن هذا هو العرف أو التقاليد أو كلام شيخ الجامع أو سلو البلد كدا.
المرأة قد تختزن كل مشاعر القهر والكبت والانسحاق والاحتياج والطموح والرغبة والغضب الناتجة عن حرمانها من حقوقها الطبيعية في أن تحب الحياة وتحياها وتظل تضغطها، وكأنها تقوم بإعداد مرجل يغلي أو كأنّها تحولت إلى "كومبريسور" يستنشق الهواء فيضغطه إلى درجة ضغط عالية، ويختزن كل طاقته في شكل طاقة وضع مختزنة لغاز مضغوط يشتعل، ويساعد على الاشتعال مستعد للانفجار في أي لحظة، وتكون اللحظة المناسبة للانفجار هي لحظة استمتاع امرأة أخرى بقدر أكبر من حرياتها.
برغم تعاطفك الطبيعي إذن مع مشكلة المرأة المضطهدة، فأنت في الواقع تعرف أنها جزء من المشكلة، بل هي المشكلة الأكبر، فهي التي اعتادت أن ترضخ لمنظومة ظالمة، وأن تتوافق معها، ثم تصبح هي ذاتها جزءا منها وداعيا لها.
الأمثلة أكثر من أن تُحصى، مثلا من المتضرر الرئيسي من تعدد الزوجات؟ بالتأكيد النساء، ولكنك لو أجريت استفتاءً على نسبة النساء المؤيدات لمنع أو تقييد هذا التعدد فلن تتجاوز النسبة 15 % في أفضل الأحوال، لاحظ أننا لا نتحدث عن شيء لا نملكه ولا يُمكن السيطرة عليه كإمكانية تعدد العلاقات، ولكن على وجود وضع قانوني يسمح بتواجد زوجة واحدة مع تسهيل منظومة الطلاق للراغبين في الانفصال من المواطنين أيا كانت اعتقاداتهم في زواج وطلاق مدنيين.
مثلاً هل لو تقرر أن يكون الطلاق بقرار محكمة أو ألا يقع الطلاق الشفهي غير الموثق الذي يخلق مشاكل عديدة في البيوت، خصوصا بعد تكراره لثلاث مرات، هل ستوافق المرأة، هل لو تقرر أن يصبح حقا دائما لأي من الطرفين إنهاء الزواج بإرادته المنفردة هل ستوافق المرأة؟ لاحظ أن الزوج يستطيع التطليق بمنتهى السهولة، بل بمجرد كلمة لا غير وفي العادة لا يفعل ذلك إلا بعد تجريد الزوجة من أية حقوق أو مستحقات لها.
وماذا بشأن الميراث؟
المرأة ترث نصف ما يرثه الرجل، ولا داعي هنا لتكرار السخافة التي يقولها الأزهريون بأن هناك (حالات) ترث فيها المرأة أكثر، فالعبرة بتساوي مركز الوارثين، ابن وابنة، أخ وأخت، خال وخالة، عم وعمة إلا أن يكون هؤلاء ليسوا أشقاء فيمكن التفرقة بينهم استنادا لهذا، أما ماعدا ذلك فهو تمييز واضح واضطهاد للمرأة، فهل فعلا تقبل غالبية النساء المصريات هذا الإنصاف أم يرفضنه ويفضلن الحياة في ظل التمييز.
كيف يمكن أن تمنع التمييز ضد المولودة الأنثى أو أن تحجم زيادة المواليد وأنت تفرق بين الجنسين في المواريث؟ ألا تفهم يا عزيزي أن أبا له ثلاث بنات سيسعى لإنجاب ذكر فقط ليحتفظ لأبنائه وبناته وحدهم بميراثه؟ ألا تعلم أنه سيسعى باستمرار لإنجاب الذكر وربما أكثر من ذكر ليضمن ذلك؟
أليست هذه السياسة التمييزية تشجع علي زيادة المواليد بالذات في البيئات الأفقر والأكثر اعتمادا على الذكور، أليس هذا ما يخلق التمييز ضد المرأة منذ لحظة تكونها كجنين؟
إذن فقوانين المواريث التي يسمونها عادلة هي قوانين تمييزية وبوضوح، فهي مثلا تجعل دائما ميراث الزوجة المتوفى زوجها نصف ميراث الزوج المتوفاة زوجته، وكمثال أوضح فميراث رجل يموت وله ولد واحد وزوجة وأخوة ينحصر في زوجته وابنه بواقع الثمن للزوجة والسبعة أثمان للابن، بينما ميراث رجل له ابنة وزوجة وأخوة يكون بأن يصبح نصيب الابنة النصف والزوجة الثمن، ولا يحصلان على أكثر من ذلك، بينما يرث الباقي الأخوة أو أبناء العمومة حتى ولو كانوا ذكورا من أحفاد جده الخامس مثلا.
الخلاصة أن هذه القوانين قوانين ظالمة ومنحازة للذكر، وأنها بطبيعة الحال تنتج أثرا في المجتمع نحو الحرص على إنجاب الذكور؛ لكي لا يشارك الآخرون في ميراثك، هذا طبعا إذا افترضنا أصلاً أن المرأة ترث هذا الميراث المقرر قانونا، ذلك أنه في حالات كثيرة في المجتمع المرأة لا ترث (عشان فلوسنا أو أرضنا ما تروحش لغريب).
ما هو موقف المرأة من هذه القضايا؟
في الأغلب تنحاز لوجهة النظر الظالمة هذه ضد بنات جنسها، على سبيل المثال فإنّ نائبة سابقة في البرلمان المصري من خلفية قانونية قالت من قبل نصا: "إنها لا تقبل أن تنحاز لبنات جنسها على حساب ما شرعه الله".
إذن فالمشكلة في المجتمع المصري ليست فقط مشكلة الذكور بل هي ذات مشكلة فوزية في مسرحية "سك على بناتك"، التي ظلت مخطوبة لحنفي سبع سنوات وهي ترفض أن تمسك بيده، ثم قامت ببهدلته لأنه أمسك بيدها (عشان قال إيه بيعديها)، إنها تنتظر رد فعل من الناس بالثناء على ما تفعله، ورد فعل من حنفي نفسه بالتأكيد (أنها لو ما عملتش كدا ممكن فعلا ما يجيش الفرح).
المشكلة الحقيقة أن فوزية المصرية تخصصت في الهجوم على أي شخص يحاول تطوير أفكار المجتمع أو تمكينها من بعض حقوقها، فكل من يقول لها (ما تسيبيه يمسكها يا فوزية)، هو في نظرها عدو لها و(قال إيه بيعديني).
المجتمع المصري لن يتحرر مالم تتحرر المرأة المصرية، تحتاج المرأة المصرية للثقة في نفسها وفي قدراتها العقلية والجسدية، وتحتاج الحب والتشجيع المستمر لنجاحاتها، لكن الأهم من هذا كله أنها تحتاج لمن يحاول دفعها إلى الأمام باستمرار، حتى لو كان الحل في الإمساك بيدها عشان( نعديها).