بعد مرور 51 عاما على تحويل مجرى النيل.. قصة صمود السد العالي أمام النهر الخالد
تحتفل مصر هذه الأيام بمرور 51 عاما على تحويل مجرى نهر النيل في 14 مايو من عام 1964 والذي تزامن مع انتهاء العمل في المرحلة الأولى لإنشاء السد العالي.
في البداية يقول رئيس مجلس إدارة هيئة السد العالى بأسوان، المهندس عماد ميخائيل، أنه عقب الانتهاء من تحويل مجرى نهر النيل ومرور المياه في الأنفاق تم العمل فى المجرى الجديد لضمان مرور المياه من الأنفاق وخروجها من الناحية الأخرى، وأغلق المجرى القديم للنهر النيل لأنه في حالة بناء السد العالي فوقه ستنقطع المياه عن مصر بأكملها.
وأضاف :"عقب الانتهاء من تحويل مجرى نهر النيل تم إنشاء جسم السد و انتهى العمل فيه 15 يناير 1971، بواسطة الشركات المصرية بالتنسيق مع الجانب الروسي".
ويظل مشروع السد العالي أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين بعد مرور 44 عاما على إنشائه، إذ أعطى إشارة بدء العمل فيه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 9 يناير 1960، ووصلت تكلفته الإنشائية 415 مليون جنيه مصري، وكان يعمل فيه 400 خبير روسي، وحوالي 36 ألف عامل مصرى.
وفى 15 يناير عام 1971 احتفلت مصر باستكمال العمل في مشروع السد العالي، وتكوين بحيرة ناصر بطول 500 كيلو متر منها 350 كيلو متر بجمهورية مصر العربية، و 150 كيلو متر بجمهورية السودان الشقيق بمتوسط عرض كيلو متر، فضلاً عن محطة توليد كهرباء السد العالي بقدرة 2010 ميجا وات، بقيمة 10 مليار ك.وات ساعة سنوياً.
وترجع فكرة بناء السد العالي في المناطق العليا من النيل بهدف خلق بحيرة صناعية من الماء العذب، واتخذ قرار البدء في بنائه عام 1953 ثم شكلت لجنة لوضع تصميم للمشروع، وفي ديسمبر 1954 تم وضع تصميم للسد العالي بإشراف المهندس المصري موسى عرفة والدكتور حسن زكي بمساعدة عدد من الشركات العالمية المتخصصة.
بدأت المعوقات تظهر أمام الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، إذ وواجهت مصر صعوبة في إيجاد الموارد التي تمكنها من تنفيذ المشروع، ما دفعه إلى طلب المساعدة من الدول الغربية لتوفير الجوانب المالية والفنية والتكنولوجية. ورفضت الدول تقديم المساعدة لمصر، عقب رفض الحكومة للشروط التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، باعتبار أن تلك الشروط كانت تمثل خطورة على مصر.
وسحبت الحكومة الأمريكية القرض الذي كانت ستقدمه لبناء السد العالي بحوالى 56 مليون دولار، كما سحبت الحكومة البريطانية القرض الذي كانت ستقدمه بـ 15 مليون دولار، كما رفض البنك الدولي منح الحكومة المصرية القرض الذي تم الاتفاق عليه بقيمة 200 مليون دولار، وجاء قرار سحب تمويل السد العالي بداية العداء بين مصر ودول الغرب.
ودفعت الأزمة، الحكومة المصرية لتأميم قناة السويس لتستعيد استثماراتها من دول الخارج وتوفر الموارد اللازمة لبناء السد العالي، وتم توقيع اتفاقية في السابع والعشرين من ديسمبر 1958 في القاهرة تنص على أن يمد الاتحاد السوفيتي، مصر بالمساعدات المالية والاقتصادية لتنفيذ المرحلة الأولى من السد، وقبل انتهائها تم الاتفاق مع السودان للانتفاع بفائض النيل.
أصبح نصيب مصر من المياه بعد بناء السد العالي 55.5 مليار متر مكعب، فيما بلغ نصيب السودان 18،5 مليار متر مكعب، على أن تدفع مصر 15 مليون جنيه للسودان تعويضاً عن الممتلكات التي تغمرها مياه التخزين داخل الأراضي السودانية، وتتعهد الحكومة السودانية بتهجير أهالي منطقة وادي حلفا قبل نهاية يوليو 1963.
وبدأت الحكومة السوفيتية في الوفاء في وعودها، وكانت المعدات السوفيتية تتدفق على مدينة أسوان بكميات تتزايد مع الوقت منذ أكتوبر1959.
وسمح السد العالي بتزويد مصر بصرف ثابت يسمح بالتوسع الزراعي وحمايتها من الفيضانات العالية، وفي نفس الوقت مدّها بطاقة كهربائية تكون الركيزة الأساسية للتنمية الزراعية والصناعية.
ويعد السد العالي من المشروعات الاقتصادية الكبيرة ذات العائد المادي المرتفع مقارنة بالمشروعات العالمية المماثلة له، إذ وصل عائده خلال عشر سنوات منذ بدء إنشائه إلى ما لا يقل عن عشرين ضعفاً مما أنفق عليه، لأنه ساعد كثيراً في التحكم بتدفق المياه والتخفيف من آثار فيضان النيل.
ويعمل السد العالي في توليد الكهرباء بمصر، ويبلغ طوله 3600 متر، وعرض القاعدة 980 متراً، وعرض القمة 40 متراً، والارتفاع 111 متراً، أما حجم جسم السد 43 مليون متر مكعب من إسمنت وحديد ومواد أخرى، ويمكن أن يمر خلاله تدفق مائي يصل إلى 11.000 متر مكعب من الماء في الثانية الواحدة، وتم تصميمه وفقاً للدراسات والأبحاث ليكون من النوع الركامي ومزود بنواة صماء من الطفلة وستارة رأسية قاطعة للمياه.
ويعد السد بمثابة خط الدفاع الأول لحماية مصر من الفيضانات المدمرة، كما أنه حمى مصر أيضاً لمدة 9 سنوات في الفترة من 1979 حتى 1988، حينما تعرضت القارة الإفريقية للجفاف.
وتعد السعة التخزينية للسد العالي هي الأكبر على الإطلاق، بدليل أن السعة التخزينية لأضخم سد في العالم والذي بني في الصين عام 2010، لا تتجاوز ثلث السعة التخزينية للسد العالي التي تقدر بحوالي 162 مليار متر مكعب، والفارق بين السدين أن السد العالي هو سد ركامي من كتل الجرانيت وليس سداً خرسانياً من الأسمنت.