العودة.. حق الأجداد يتوارثه الأحفاد في فلسطين
رغم مرور أكثر من 67 عاما على تهجيره من قرية "لفتا" الواقعة على الجبال الشمالية الغربية لمدينة القدس ، فإن قصص الكتاتيب وجلسات إفطار المزارعين على الزيت والزعتر والجبن تحت أشجار الزيتون والعنب، محفورة في ذاكرة الحاج الثمانيني، يعقوب عودة.
وفيما ورث الحاج يعقوب، قصص "لفتا" إلى 3 أجيال من أبنائه وأحفاده، فاليوم تنقش فصولها في ذاكرة شبابها، وفي كل عام تحتفل فيه إسرائيل بعيد استقلالها، يؤكد الشباب والشيب، من قبلهم، على أنهم لن ينسوا قريتهم، وأن الأمل بالعودة إليها حي ما بقوا أحياء.
ويقول الحاج يعقوب لـ"دوت مصر"، وهو يجلس على باب منزله في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة: "كانت لفتا تعج بالحياة، فقد كانت قرية متطورة وكبيرة، بلغ عدد سكانها عام 1948 نحو ثلاثة آلاف نسمة يقطنون في أكثر من 700 بيت، للقرية مسجدها ومدرستها وأسواقها ومزارع أشجار الزيتون والخضار والحبوب، أما بيوتها فقد بنيت بطراز معماري فني جميل.
ويضيف:" اليوم تغير كل شيء في لفتا، ولم يبق بها سوى بعض المنازل المهجورة والأعشاب اليابسة، لكن هناك ما لم يتغير، جيل شاب لن ينسى أن له أرض وقرية، على مرمى حجر من المكان الذي هجروا إليه، قرية اسمها لفتا".
وأوضح الحاج يعقوب أن أهالي القرية كانوا ينشأون منازلهم بأيديهم بعد قص صخور القرية، وأغلبها مكون من طابقين وتسوية لتربية المواشي والدواجن، وتتميز العديد من المنازل بوجود أفران خبز الطابون.
وأشار إلى أن طلبة الجامعات الإسرائيلية المتخصصين في الهندسة المعمارية يقومون بجولات تعليمية مستمرة للاستفادة من الفن المعماري في لفتا.
حالة دائمة
على باب منزله، المتواجد في أحد أزقة مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، كان يجلس الحاج أمين أبوالصادق، يلفظ أنفاسه بقهر، وينظر إلى أحفاده الذين ولدوا وتربوا في هذا المخيم، بحسرة، وهو يروي لهم حكاية بلدته المسلوبة "يافا"، التي مازال يحتفظ بمفتاح بيته فيها، منذ 1948.
هذه الصورة التي يرسم تفاصيلها الحاج أبو الصادق لا تشهدها جميع مخيمات اللجوء في قطاع غزة، والبالغ عددها 7 مخيمات فقط في ذكرى النكبة، بل هي الحالة الدائمة التي تعبر عن تمسكهم بحق العودة إلى ديارهم المغتصبة.
وبينما كان الحاج أبوأمين يروي تاريخ يافا، وحكاية التهجير التي تعرض لها، راح حفيده محمد يتأمل المفتاح الذي يحمله جده.
ويقول الطفل محمد لـ"دوت مصر" بلغة الكبار: "لن أتخلى عن حق العودة، ولا عن بيتنا في مدينة يافا التي حرمنا الاحتلال منها، فقد قرأت في كتب التاريخ ضمن المنهج الدراسي عن يافا وأهميتها، وهذا جعلني أتمسك أكثر بحق العودة إليها، وأن أراها حتى لو كان آخر يوم في حياتي".
من جهة أخرى، يقول الحاج أبوالصادق،" على الرغم من بعدنا عن بلادنا 67 عاما فإنها مازالت محفورة بذاكرتنا، ولن نتخلى عنها، فالدم الذي يسري في عروقنا مستمد من هذه الأرض، وستعود فلسطين إن شاء الله ولو بعد آلاف السنين".
العودة باليوم التالي
ويسرد الحاج أبوالصادق لـ"دوت مصر" تفاصيل تهجيره من مدينته يافا، فقد هجره الاحتلال منها حينما كان عمره 17 عاما، فيقول "في شهر مايو قبل 67 عامًا، جاءتنا أخبار أن الجيش العراقي قادم إلينا للدفاع عنا ففرحنا، لكن في الحقيقة لم تكن هذه الجيوش عربية، بل كانت عصابات صهيونية تتخفي بزي الجيش العراقي، وقاموا بإطلاق النار المباشر علينا، وقد أصيب شقيقي الأكبر خضر بقدمه، وعلى الفور خرج والدي وأعمامي وجميع أفراد عائلاتنا من المدينة تحت وقع الرصاص والقتل".
وخرج الحاج أمين وعائلته دون أن يأخذ شيئا من مقتنياته على أمل أن يعود في اليوم التالي، ويقول: "خرجنا بسرعة جنونية إلى المراكب التي أقلت الكثير من سكان يافا إلى مصر، وعيوننا لم تنقطع عن البكاء، وحتى هذه اللحظات أهل يافا أكثر من بكوا على مدينتهم الجميلة".
ومكثت أبوالصادق في مصر ما يقارب عاما واحدا متنقلا بين مدينة بورسعيد والقنطرة وسيناء، ونقلت العائلة بعد أن خرجوا من مصر بواسطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" إلى مخيم الشاطئ، الذي تقيم فيه حتى هذا اليوم.
ويقول "كان نصيبنا أن نسكن في مخيم الشاطئ للاجئين على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ليكون هناك شيء مشترك يربطنا بمدينة يافا عروس بحر فلسطين، ولتبقى صورة ورائحة بحر يافا تراودنا في كل لحظة".
رحلة اللجوء
أما الحاجة أم محمد مقداد، 78 عاما، فما زالت تحتفظ ذاكرتها أيام الطفولة التي قضتها في قريتها الأصلية (حمامة)، فتقول،" قضيت أجمل أيام حياتي في مرحلة الطفولة، عندما كنت أعيش في قرية حمامة، ولا أنسى مزرعة عائلتي التي امتلأت بالعنب والتين، لكن المحتل شوه كل هذه الصورة الجميلة، وطردنا قسرا من موطننا، لتبدأ مأساة اللجوء والتهجير التي ما زلنا نعيش ويلاتها حتى يومنا هذا".
وتروي أم محمد رحلة التهجير واللجوء إلى قطاع غزة، حيث تقول، إن الصدمة التي تعرض لها الفلسطينيون في ظل تزايد مجازر وجرائم العصابات الصهيونية وتنكيلها بالقرى الفلسطينية، كان لا بد لسكان حمامة من الرحيل بحثا عن منطقة آمنة".
ولا تغيب عن ذاكرتها الأخطار التي رافقت رحلتهم حيث قامت العصابات الصهيونية بمراقبة الطرق الرئيسية والاعتداء على القوافل، ونهب ما يحملونه من غلال وأموال، وتعرض الكثيرون للقتل بعد نهب ممتلكاتهم، واضطر الباقون للاتجاه إلى الساحل والسير جنوبا حتى وصلوا إلى قطاع غزة.