حوار| رئيس الأثريين العرب: نحن أخطر على التراث من "داعش"
"خيبة الأمل" كان الإحساس الرئيسي لأمين اتحاد الأثريين العرب، الدكتور محمد الكحلاوي، للتعبير عن حال الآثار في البلدان العربية، فكان لنا معه هذا الحوار، لرصد أسباب ما آل إليه التراث العربي.
"كافة البلدان التي شهدت ما يسمى بالربيع العربي شهدت خيبة أمل كبيرة جدًا على التراث القومي"، هذا ما يراه الكثيرون كسبب أساسي للخطر على التراث العربي، إلا أن الكحلاوي يرى أن الانفلات والتفريط في تراث مصر لم يظهر في أعقاب 25 يناير فقط، بل بدأ منذ زمن بعيد، فالحكومة كانت شريكة في تلك الاعتداءات، عن طريق التقصير في تقديم حماية حقيقية فعالة للتراث القومي، وترك المتاحف عرضة للنهب والسلب بطرق بدائية جدًا.
وتساءل الكحلاوي: كيف تم الاعتداء على المتحف المصري، في ظل حماسة الجموع التي تنادي بالحرية؟ ليجيب على نفسه "غير أن مجموعة ضالة من المصريين، دخلوا إلى المتحف من الشخشيخة -قبة المتحف المصري الزجاجية- كي يسرقوه، فكيف يتم عمل أبواب مصفحة حول المتحف، وترك أسقفه محاطة بقبة زجاجية يستطيع أن يكسرها اللصوص وينفذون إليه بالأحبال.
ورأى الكحلاوي أن تلك الحوادث تعبر عن قلة الفهم، وعدم وجود الرؤى عند الحكومات المصرية القديمة، فلوحة زهرة الخشخاش كانت تخرج لأي يريد رسمها، ثم تعود إلى مكانها مرة أخرى، حتى تمت سرقتها، فإذا ما قارنا حالها بحال الموناليزا، سنجد أن الأقراب منها دربًا من دروب الخيال، وهذا ما يعكس عجز الحكومة.
وتذكر أمين اتحاد الأثريين بأسى، كيف سرق متحف كلية الآثار، الذي كان يزخر بقطع أثرية نادرة من الحفر الأثري، وكيف تم استغلال وجود أعمال ترميم بمبنى الكلية، ويتسلل اللصوص من نوافذه، ولا تصدهم أي نوع من أنواع الحماية، ولا ترصدهم أي نوع من أنواع الكاميرات.
وبلهجة استنكارية، أشار الكحلاوي إلى سرقة أكثر من 150 قطعة أثرية من المتحف المصري أثناء أحداث الثورة، و200 قطعة من متحف الفن الإسلاميين، كلها نادرة، وبعضها من الذهب الخالص، واقتحام متحف ملوي من قبل لصوص، وقتل أحد العاملين به أراد أن يدافع عنه، وتسرق جميع مقتنياته، ويعرب الكحلاوي عن استيائه من الحكومة قائلًا: "كل ده ولا رئيس وزراء بستقيل، ولا وزير آثار بيستقيل، ولا حكومة ولا أمن بيتحاسبوا"، لهذا يرى الأثري الستيني أن الحكومة شريك فعلي في تلك الجرائم.
وحينما سألنا رئيس اتحاد الأثريين العرب عن رد فعله إذا ما كان وزيرا للآثار، في مواجهته لتلك الجرائم، فأكد أنه في هذه الحالة سيكون مكبلا، وسيتقدم باستقالته خلال 24 ساعة، مطالبًا رئيس الوزراء إبراهيم محلب أيضا بالاستقالة، لأنه -على حد قوله- تكسب من وراء الآثار، حينما كان يترأس شركة المقاولون العرب، التي كانت تتولى الكثير من أعمال الترميم، ولكن الوزير وحده ليس بيديه شيء وليس له سند حكومي أو أمني أو مالي، فالفائدة الوحيدة التي حصل عليها، هو تقلده كرسي الوزارة.
وعن الخطط البديلة، أوضح الكحلاوي أن الشيء الوحيد الذي يستطيع الوزير فعله، هو تفعيل خطة قومية لحماية التراث القومي، والتي يستوجب مساندتها من جميع الجهات، أما من الناحية الأمنية فعلى الأمن أن يعلم أنه ليس فقط أمن سياسي، وأنه أمن لحماية التراث القومي، قائلًا: "الحكومة تجري وراء ما يسمى الإرهاب، تاركة التراث القومي، فالإرهاب يومًا ما سينحصر، ولكننا سنفيق ولن نجد لنا تراث".
"ماجيش على الوزير الغلبان وأقوله إنت المسؤول".. هكذا عفا رئيس اتحاد الأثريين العرب وزير الآثار، من جزء من المسؤولية، مؤكدا أنه إذا وضع في موقفه، ولم يستطع أن يحقق طموحه في حماية التراث القومي، سيتقدم باستقالته في مؤتمر صحفي يعلن فيه أن الدولة غير منتبهة لهذا التراث.
وحينما سألنا الحكلاوي عما بيد الحكومة للحفاظ على التراث القومي، قال: "نحن كاتحاد للأثريين العرب، بقالنا 20 سنة بنعمل توصيات"، بينما لكوننا منظمة غير حكومية لا يؤخذ بها، ولكن الجهات الحكومية المسؤولة يجب أن تستفيد من خبراتنا، وتعاملنا كجهة استشارية، فلابد أن نكون ممثلين في مجالس الآثار العربية.
إضافة إلى ذلك يجب أن يكون هناك شرطة مستقلة وقضاء مستقل بالآثار، يتم التعامل فيه بقانون طوارئ خاص بالآثار، فيجب أن تكون الحكومة لديها رؤية وليست عشوائية وعبثية.
وعن منطق الإرهابيين في الاعتداء على الآثار والتراث القومي، قال الكحلاوي: "الإراهبي قد يتوب، فقتلة السادات تالوا، لكن من يعتدي على التراث ليس لديه دين، أو أخلاق أو انتماء، لكنه قتل على الأبناء مستقبلهم، وضيع للعرب حقهم في الاحتفاظ برصيدهم التاريخي والقومي، إلا أننا نحن أخطر على آثارنا من داعش، وإسرائيل، فنحن ليس لدينا القدرة على حمياتها، ونحن من نغتالها، فيجب أن نتعمق في دراسة منهج ؤلئك الإرهابيين، كي نستطيع أن نحاورهم قبل أن نحاربهم، مشيرًا إلى أن الاتحاد لم يستطيع حتى الآن حصر الآثار العربية التي طالتها يد الإرهاب.