ابن الجنايني مش هيبقى ظابط يا إنجي
معقوووول، وزير العدل قال كدا؟! لم أصدق ما قرأته، وقلت ربما نقل غير دقيق، أو كلام اجتزئ من سياقه زي ما بيقولوا، والراجل هيطلع كان بيفتكر مشهد من فيلم "رد قلبي". ولاريح ضميري عدت لمشاهدة فيديو الحلقة من مصدره الأصلي على قناة "تن"، واستمعت للسؤال والإجابة كاملين.
خلونا في البداية نعرض وجهة نظر وزير العدل، المستشار محفوظ صابر، بموضوعية شديدة، ونجمل ما قاله في نقاط محددة لتحليلها بهدوء، بعيدا عن النظرة البرجوازية المتعالية، أو شطط الأفكار اليسارية.
- "مش قوي كدا" كانت الإجابة المتلعثمة بعد فترة من التفكير، ردا على السؤال الافتتاحي: ابن عامل النظافة ممكن يتعين في القضاء؟
- ويضيف الوزير شارحا "طبعا اللي يعمل قاضي، مفروض يكون من وسط بيئي مناسب لهذا العمل، لا فوق ولا تحت قوي".
- ليه؟ يبرر قائلًا "لو ده -يقصد ابن عامل النظافة- عمل بالقضاء هتلاقيه حصل له اكتئاب نفسي، ومش هيستمر" ودلل على ذلك بتجارب سابقة، حسبما أكده.
- مرة أخرى، ليه؟ يقول بثبات "القاضي له شموخه ووضعه، ومع احترامي لعامة الشعب، ضروري يكون مستند لوسط محترم، ماديا ومعنويا".
- ده مش تمييز؟ يقول الوزير بصوت حاني:"معلش، يروح في وظيفة أخرى مناسبة".
هل هذا الكلام به تمييز؟ نعم، هو نفسه لم ينكره. هل هو مخالف للقانون والدستور؟ الإجابة: راجع المادة رقم 53-تكاد تكون ثابتة في كل دساتير مصر والعالم-والتي تنص صراحة، أن المواطنين سواء، ولا تمييز بسبب الدين، أو الجنس، أو العرق، أو المستوى الاجتماعي، إلخ.
عندما يصدر كلام به معايير تنفيذية مزدوجة Double standards من وزير العدل، تبقى المشكلة مش فيه بس، لأنه لا يتحدث عن رأي شخصي، ولكن عن منظومة فكرية-تنفيذية مختلة يتبناها أصحاب الدماء الزرقاء الزائفة، تقول إن مصر لا يصلح لمناصبها العليا إلا أصحاب الياقات متوسطة البياض، لا فوق قوى ولا تحت قوى.. ما هذا البيض!
ما ذهب إليه وزير العدل لا يحرم الفقراء من التطلع أو حتى الأمل في أن يكون سقف طموحهم مرهون بشخصهم وجهدهم وعلمهم فقط. فقط. فقط.
ولكنه يحرم الأغنياء جدا، أو "اللي فوق قوى" كما يقول الوزير، لأنه يرى أن الفقر المدقع والغنى الشديد مفسدة، لا يخرجا إلا أصحاب العقول التي حتما ستصاب بالاكتئاب والأمراض النفسية الأخرى، لو عملت بسلك القضاء. عليّ النعمة هو قال كدا بالحرف.
حتى لو كان منطقه مبنى على واقع، يستند لحالات حدثت، ولوثت سلك القضاء، فهذا سبب أدعى لأن يعاد النظر في الشروط والاختبارات والتدريب -ده لو في تدريب أصلا- لكي يتم تطهير هذا المنصب الهام من أي أشخاص يحملون أفكارا أو أمراضا نفسية، بغض النظر عن مستواهم الاجتماعي وأي اعتبارات أخرى، ومنها الواسطة طبعا، فالحكم هنا أخاله على المستوى الثقافي والتعليمي والسلوك، ورؤيته للعدالة، الخ.
هذا الوزير لو كان لديه ذرة ذكاء-لا أقول ضمير أو عدالة-أو حس سياسي كان سيقول بسهولة، مرحبا بأي شخص مستوفي الشروط القانونية الواجبة، ومنها الاتزان النفسي، وكذا وكذا، يطلع غني أو فقير، ابن وزير أو ابن غفير، مش قصتنا، المهم يحقق الشروط الواجبة، ده العدل، يا وزير المش عدل!