التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 04:02 ص , بتوقيت القاهرة

اكتشاف اكتشفت أنه ليس اكتشافا

اكتشفت وأنا في أوائل العشرينيات اكتشافا مبهرا، غير لي حياتي تماما. ما هذا الاكتشاف؟


هذا الأمر سيئ جدا لو فعله الآخرون.. جيدا جدا جدا جدا لو فعلناه نحن. هو هو نفس الشيء، لو استبدلنا اسم الفاعلـ/ـة واسم المفعول بهـ/ـا، فالفعل نفسه واحد لا ينقص شيئا ولا يزيد شيئا.


تعالوا أعطي لكم أمثلة بسيطة:


1. الاستعمار سيئ لو فعله الآخرون.. لكن يا سلام لو نقدر نمد حدود الدولة الإسلامية  كما فعلنا "وقت العزة والقوة".


2. عودة اليهود إلى "دولتهم القديمة" سيئة جدا. إنما نحن لا بد أن نعود إلى الأندلس التي فتحها الله علينا في القرن الثامن الميلادي.


3. غزو العثمانيين لأرض مصر حاجة جميلة جدا.. حتى وقد نصبوا أنفسهم حكاما وبطانة على البلاد. ولم يدخلوا فيها شيئا حديثا نتذكرهم به. إنما الاستعمار الفرنسي والإنجليزي كارثة الكوارث. رغم أن البلد انتقلت إلى الأمام في ظلهما. (هذا لا يعني ترحيبا بالاستعمار، إنما مقارنة بين منطقين).


4. الأقلية المسلمة تفعل في الغرب ما تشاء، تبشر وتتظاهر ضد ما يخدش دينها. رغم أنها وافدة على هناك. أما المسيحيون في مصر، أبناء البلد، فلا يحق لهم لا تبشير ولا دعوة ولا حتى اعتراض على ما يقال عنهم في الميكروفونات ووسائل الإعلام.


نلاحظ في خطابنا عبارة "الحرية التي يتشدقون بها"، والتي تأتي في سياق مطالبتنا للغرب باحترام هذه الحرية. لماذا نستخدم هذه العبارة؟ نعم. لكي ندعي أنها غير موجودة. ولكي نباعد بيننا وبينها. وبالتالي لا نلزم أنفسنا بها. حين يأتي هذا في سياق استخدامها لكي نحصل على مكسب فهذا شيء غريب عجيب.


ما منبع كل هذا؟


منبعه شيء ونصف شيء.


أما الشيء فهو يقيننا الذي نعرفه ولا نعبر عنه، وإن قاله الآخرون غضبنا، يقيننا أننا لا نملك نموذجا قيميا نافعا، حتى لنا.


أي أننا حين نريد مكسبا اجتماعيا لنا في الغرب، نلجأ إلى نموذجه القيمي ونحصل على المكاسب من خلاله. إنما نرفض نفس هذا النموذج القيمي الاجتماعي السياسي تماما إذ طالب أحد باعتماده هاهنا. لكي يعيش المختلفون سعداء، كما يعيش المختلفون هناك سعداء. لكي لا تقهر الأغلبية الأقليةَ، كما نطالبهم ونحن هناك.


الأدهى، من الناحية الأخرى، أننا نرفض أن يحتكموا هم إلى نموذجنا نحن الاجتماعي. نرفض أن تفرض على أقلياتنا هناك ما يفرض على البهائيين هنا مثلا، أو حتى نرفض أن تنقل قوانيننا في التعامل مع حرية العقيدة لكي تتعامل بها المجتمعات الغربية معنا.


لو تعرضت أقلية مسلمة لبعض الاضطهاد الذي تتعرض له أقليات دينية في بلادنا نصرخ ونجأر وندين ونستنكر.


أما نصف الشيء فهو ما نقوله بعد ذلك: إننا خير أمة أخرجت للناس، إننا المفضلون عند الله، إننا نحمل قيما ينتظرها العالم. وهو نصف شيء لأنه موجود وغير موجود. موجود في الخطب وغائب في الاعتقاد والأفعال، والأهم غائب عن تقييم المحايدين لو قارنوا بيننا وبين الآخرين.


هل يعني هذا أن أقبل ما يفعله الآخرون لأنني كنت سأفعله؟ لا. ولكن يعني أن يكون خطابي واضحا، ألا أدعي خطابا قيميا سأضطر إلى التخلي عنه المرة القادمة. أن أدرك أن الدنيا تنافس وأتعامل بهذا المنطق، أسعى للمكسب، وأنافس بقوة، ولكن لا أدين الساعين إلى مكاسبهم، ولا أفترض أن لي حقا "تلقائيا" في الحصول على ذلك المكسب وحرمان الآخرين منه.


لقد كان هذا التحول البسيط جدا في الوعي، والذي بدأ بأمور أبسط كثيرا، كتشجيعي الكروي، ونظرتي إلى وضعي كرجل في مقابل وضع المرأة، فاتحة عين. وصدمة. لماذا صدمة؟ لأني اكتشفت أن المواضيع واضحة جدا. جدا. الحواس الخمس كفيلة بأن تريك الفرق بين مجتمعات ومجتمعات. طوابير السفارات. الرغبة في الهجرة. كلها أصدق أنباء من الزن على الودان. لكن علشان تشوفيها لازم تخلصي من الزن على الودان. وتفتحي الأعين.