التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 04:08 ص , بتوقيت القاهرة

مرصد الإفتاء: داعش يفسر حديث "آخر الزمان" بمعركة التحالف

تتبع "مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة" التابع لدار الإفتاء المصرية، قيام تنظيم منشقي القاعدة "داعش" بتوظيف وتسييس الحديث النبوي الشريف المتعلق بمعركة "آخر الزمان" وتنزيله على الحرب التي يشنها التحالف الدولي على التنظيم باعتبار أنهم الفئة المنصورة في الحديث، ويزيدون على ذلك بتحديد مكان المعركة الفاصلة في بلدة "دابق" شمالي سوريا التي ذُكرت في حديث نبوي ورد في صحيح مسلم حول معركة "آخر الزمان".


وأكد المرصد في تقريره التاسع عشر، اليوم الأربعاء، أن الحديث الذي تدلل به داعش الإرهابية على مزاعمها الباطلة، مذكور في صحيح مسلم تحت عنوان حديث " الأعماق "  وجاء فيه : " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافّوا، قالت الروم: خلّوا بيننا وبين الذين سُبُوا منّا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلّي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فيُهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويُقتلُ ثُلث هم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبدًا، فيفتتحون قسطنطينية".


 وأشار المرصد في متابعته البحثية لمزاعم داعش، أن هذا الحديث دأبت التنظيمات التكفيرية على توظيفه وتسيسه للحصول على المشروعية والدعم وتجنيد المقاتلين، باعتبارهم الفئة الثالثة التي ستفتح قسطنطينية، متجاهلين التاريخ الصحيح الذي يكشف أن قسطنطينية قد فُتحت من قبل، إضافة إلى عدم وجود آية قرآنية أو حديث نبوي يشير إلى فتح روما في آخر الزمان على يد تنظيم داعش الإرهابي، حيث فتحت الروم قديمًا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تنبأ النبي بفتحها قبل أن تشتد شوكة الإسلام.


ويستند أنصار تنظيم "داعش" في تفسيراتهم الباطلة على علامات وردت بالحديث النبوي يرون- وفق وجهة نظرهم- أنها تحققت وبدأت تظهر بالفعل، مع انضمام المئات من الغربيين إلى التنظيم، وأسر عدد آخر منهم، والاستعدادات الدولية لقتال التنظيم عبر التحالف الذي يتوسع باضطراد، متناسين أن من جر المجتمع الدولي إليهم هي جرائمهم التي ارتكبوها في حق المسالمين من مواطني مختلف الدول، فقتلوا وذبحوا من المسلمين وغير المسلمين، وانتشرت جرائمهم في الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا حتى بات العالم كله في مرمى نيران هذا التنظيم التكفيري الإرهابي، وهو ما استدعى تحالفًا دوليًّا لمواجهة هذا التنظيم والقضاء عليه.


ولفت بيان المرصد إلى نشاط كبير للمنتمين إلى التنظيم على صفحات التواصل الاجتماعي للترويج لروايتهم الخاصة حول "دابق"، التي يصر عليها التنظيم؛ بحثًا عن الشرعية الدينية المفتقدة، متوهمًا أنه إذا تمكن من جرِّ الدول الغربية إلى معركة برية في دابق وانتصر فيها، عندها سيحوز شرعية تمنحه أحقية قيادة العالم الإسلامي.


ولفت التقرير إلى الصراع الدائر بين تنظيم "داعش" و"القاعدة"- التنظيم الأم الذي انشقت عنه داعش- على احتكار الشرعية الدينية، والتي وصلت إلى حد تكفير بعضهم البعض واستحلال دمائهم وقتالهم رغم التوافق التام في المبادئ والأفكار والأيديولوجية التنظيمية، بما يؤكد أن الصراع هدفه تحقيق مكاسب سياسية والحصول على السلطة ومد النفوذ على أراضي الدول، وإخضاع المجتمعات لهم، دون أدنى علاقة بتحكيم شريعة أو تحقيق عدالة.


وشدد التقرير أن التعلق بأحاديث الفتن وإنزالها على غير مواضعها الصحيحة أمر يقود إلى أخطاء جسيمة وخطيرة، كما وقع في بداية ثمانينيات القرن الماضي حينما ظهرت جماعة جهيمان العتيبي في مكة المكرمة وادَّعت أن محمد بن عبد الله القحطاني هو المهدي المنتظر،  وتحصنوا بالحرم المكي إلى أن تم القضاء عليهم بعد مهاجمتهم عسكريًّا وقتل مهديهم القحطاني، وأسر جهيمان ثم قتله فيما بعد.


وأشار مرصد الفتاوى التكفيرية في تحليله أن المتابعات التي أجراها منذ تقريره الأول وحتى التقرير الحالي التاسع عشر يكشف أن  تنظيم "داعش" يشترك مع غيره من التنظيمات التكفيرية في تبني نظرية التصادم مع الأمم والحضارات، وتقديم قراءات متعسفة ومتطرفة لمراحل "آخر الزمان"، تتشابه مع الحركة الصهيونية المسيحية وأصحاب "عقيدة هيرمجدون"، وأصحاب مرويات المهدي عند الشيعة وقتاله "السفياني" الذي ينحدر من نسل بني أمية، وغيره من دعاة الصدام التصورات المتطرفة لآخر الزمان، وهو اتجاه يتذرع بذرائع دينية وتحقيقًا لنبوءات مقدسة يعتقد فيها أصحاب كل فريق، مشدداً على أن هؤلاء يمثلون معسكر الصدام والحروب في كل تيار، يحاولون النيل من العمران الإنساني والحضاري وتحويله إلى صراع وصدام حتمي وأزلي يذهب بالأخضر واليابس، وقد عانت منهم الأمم على مر العصور.


واختتم مرصد التكفير بيانه بالتأكيد على أن تنظيم "داعش" يقتطع حديث الأعماق من سياقه، ويلوي عنق النص كي يوافق هواه، فيعرض عن بقية الحديث لما فيه من دلالة أن القتال يكون باستخدام السيف والرمح، وهو أمر غير متصور حدوثه في زماننا، مؤكدًا أن تنظيمات العنف والقتل هي تنظيمات إرهابية تبحث عن شرعية دينية تضمن لها البقاء والانتشار والاستمرار.