لهم في أعناقنا دينٌ.. سمير الكيال وآخرون
تعرّضت في المقال السابق "في العباسية.. أبطال ومسوخ" لتصاعد وتيرة اعتصام العباسية، الذي بدأ بعد قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية باستبعاد المرشح حازم صلاح أبو إسماعيل، وتجمهر أنصاره بالقرب من مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بحي العباسية، ودعوتهم للاعتصام، وانضمام أعداد من القوى الثورية لهم، وبلوغ العنف ذروته يوم الأربعاء 2 مايو، ورواج حالة ترقب بخصوص حدث ضخم قد يطيح بالمجلس العسكري، ويسيطر على قيادة الدولة ومقراتها السيادية، ويضع الفوضى على رأس البلاد فى الجمعة التالية 4 مايو 2012.
مساء الخميس 3 مايو 2012، قام د. صفوت حجازي ود. محمود غزلان أحد صقور جماعة الإخوان، بالتوجه للقاء تليفزيوني بماسبيرو، مع الإعلامي "أسامة كمال" في برنامج "نادي العاصمة" بالفضائية المصرية، وبمجرد بدء الحلقة، أعلن غزلان وحجازي انسحابهما اعتراضا على منع حازم صلاح أبو إسماعيل من دخول مبنى ماسبيرو وظهوره في التليفزيون المصري، ومن قبله تأخير ظهور خيرت الشاطر.
وأوحيا بعبارت مرتبة وبخطابة بليغة، بتصاعد الغضب وبتعقد المشهد تماما، انتظارا لم قد يسفر عنه مشهد الغد من نتائج، وصرحا بوصول "الثورة" إلى التليفزيون المصري قريبا، وإلى كرسي وزير الإعلام وقتها اللواء أحمد أنيس، بأسرع مما يتخيل، بحسب تعبير حجازي!
وقاما بتنفيذ مشهد معد بعناية، مفاده أن كرة الثلج قد بدأت في السقوط، بعضها في العباسية، وبعضها بماسبيرو، وأن الشارع معنا ضدكم، وأن أصواتنا تنطلق الآن من مراكز إعلامكم ذاتها، ولا شيء نخشاه، وحملا حكومة الجنزوري والمجلس العسكري مسؤولية مشكلات البلاد ودماء العباسية.. والجميع صار يعد عدته ليوم الجمعة.
في اليوم التالي كان ما حدث وعرضت بعض ملامحه في المقال السابق..
العبء على الجنود والضباط كان بالغا، مسؤولية تتراوح بين حماية أهم منشآت الدولة، بل والدولة ذاتها لكي يصح القول، وبين عدم وقوع ضحايا من إرهابيين يجهرون بالعداء في أرض الواقع، ويتظاهرون بالوداعة أمام الشاشات، وبين رأي عام لم يبدِ موقفًا صريحًا مما يحدث، متململا بين التأييد التاريخي لجيشه، وبين روايات الشباب عن بطولاتهم، التي يتناقلوها في الفضائيات، تاركا الشارع لأي عابث أو مجموعة من الحمقى يحددون مصير البلاد!
الوضع كان غاية في الصعوبة والتحديات بالغة أمام قوات الجيش من أفراد الصاعقة والشرطة العسكرية، الذين انتشروا في محيط وزارة الدفاع.. والخيار الوحيد المتاح لهم, وفقا لما ترسخ ضمن قيم يناير، أن يُقتلوا فقط أو في أفضل الأحوال يصابوا، من دون أن يَخدشوا المعتدين أو المجرمين، الذين نالوا حماية إعلامية وسياسية من تحالفات ثورية ودينية!
عقب بدء الاشتباكات، نجحت القوات في إنهاء اعتصام الإرهابيين ورفاقهم الثوريين في دقائق قليلة، فصار الحدث محلا للتندر والسخرية، حتى بين المعتصمين أنفسهم، ولكن حدث أن كان هناك عناصر مسلحة داخل مسجد النور وفي محيطه، أطلقت النيران على القوات التي تقدمت للسيطرة على المسجد وإخلائه من عناصر الإسلاميين المُسيطرة عليه.
واستشهد عريف الصاعقة "سمير أنور إسماعيل الكيال" داخل مسجد النور، الواقع تحت سيطرة كاملة من الشيخ حافظ سلامة وأنصاره، الذي صار اسمه حينها خبرا ثابتا بمانشيتات الأخبار، وسبق له أن قام بطرد خطيب وزارة الأوقاف من المسجد، الشيخ "أحمد ترك" ودفع بإمام تابع له هو الأزهرى د. أحمد الخولي، ليخطب أول جمعة له في 29 أبريل 2011، الذي تناول في أولى خطبِه كون الصلاة في مساجد الأوقاف باطلة، حيث المساجد لله، في حين الأوقاف تابعة للأنظمة الحاكمة!
وفرض حافظ سلامة نفسه على المشهد والمسجد مدعوما بقوة مؤيديه، بحكم تبعية المسجد القديمة لجمعية الهداية الإسلامية، قبل ضم المسجد للأوقاف في عصر مبارك، حتى تدّخلت القوات المسلحة وأعادت الخطيب لمكانه في الجمعة التالية 7 مايو 2011، وكانت صلاة ملتهبة، تواجدت فيها قيادات من الدولة منهم وزير الأوقاف د. عبد الله الحسيني، ونائب رئيس المنطقة المركزية العسكرية اللواء سعيد عباس, وأحيط المسجد بقوات كبيرة من الجيش والشرطة. ونشبت عقب الصلاة اشتباكات بين الأمن والسلفيين، بعد إصرار حافظ سلامة وتابعيه على إقامة صلاة الغائب على "أسامة بن لادن" وسط حشود سلفية، فكانت المفارقة المأسوية، فى إقامة صلاة جنازة على "بن لادن" في مسجد تواجد به ممثل عن القوات المسلحة وبعض مسؤولي الدولة المصرية!
فرض السلفيون إقامة صلاة الغائب على "بن لادن" داخل مساجد كثيرة بطول المحروسة وعرضها، وبمختلف محافظاتها، وأنهى سلفيو العباسية صلواتهم الجنائزية، متوجهين نحو السفارة الأمريكية بجاردن سيتي، لإرسال رسالة لأوباما مفادها: أن أسامة قد نام وارتاح.. بينما هم سيكملون الكفاح.. وغيرها من الرسائل المؤثرة.. وكان حافظ سلامة قد وصف بن لادن يومها، بأنه من أحيى فريضة الجهاد بعد موتها.
في السبت 5 مايو 2012 كان المشير طنطاوي والفريق سامي عنان يتقدمان جنازة عسكرية باكية، لتشييع جثمان الشهيد سمير أنور الكيال، وسط حزن ودموع زملائه وذويه.
وصارت قضية حافظ سلامة حينها، هى توجيه الاتهام لقوات الجيش بدخول المسجد بالأحذية العسكرية، في حين روّج أبو إسماعيل وأنصاره والمتضامنون معه، رواية بائسة كالتي يروجها شيع الإخوان الآن، تقول: بأن قوات الجيش هي من قتلت الشهيد سمير أنور الكيال، لرفضه طاعة الأوامر بإطلاق النار على المعتصمين، في حين كتب حمدين صباحي ينعى شهيد الجيش وشهداء الإسلاميين في العباسية!
وفي يونيو 2014 تم تخريج الدفعة (149) من معهد ضباط الصف المتطوعين، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، وهي التي تحمل اسم دفعة الشهيد سمير أنور الكيال.