التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 06:33 م , بتوقيت القاهرة

مصر والسعودية.. الأشخاص أم الاستراتيجية؟!

فجأة صدر مرسومٌ ملكيّ سعوديّ جريء بتغيير ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز وتعيين الأمير محمد بن نايف مكانه، والأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد.. لكن الصحافة في مصر- كعادتها- أرادت أن تُقدم تفسيرات للقرار السيادي السعودي.. فمن قال إنها ثورة الأحفاد فى إشارة إلى انتهاء الحكم في أولاد عبد العزيز اّل سعود مؤسس المملكة، والذي انحصر الحكم فىهم  فقط طوال 60 عاما  أو أكثر.


وذهب آخرون إلى أن التغييرات تُعيد آل السديري إلى الحكم من جديد.. واللقب جاء من حصة بنت أحمد السديري زوجة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود ولها سبعة أبناء أشقاء.. تولى منهم ملكان هما فهد المتوفى 2005 وسلمان الملك الحالي بالإضافة إلى الأمير نايف الذي قضى أطول فترة لوزير داخلية في السعودية وتوفي 2012، وخَلفه ابنه في الوزارة وكولي للعهد بعد 100 يوم فقط من تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز. بعد تولي الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز الحُكم لم يكن له أشقاء ذكور وهو ليس من "السديرية"؛ لذلك وزع أشقاءه على مناصب الدولة الهامة.. ومن ثمّ تضاءل نفوذ آل السديري. 


واجتهد فريق آخر فقال إن التغييرات الجديدة تمت بناء على اقتراحات أمريكية وأنها ستؤثر سلبًا على العلاقات مع مصر الحليف الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية.


ورأيي الشخصى أن ربط أي استراتيجية لدول كبرى مثل مصر والسعودية بتغيير الأشخاص هو أمر خاطئ تماما اللهم إلا في فترة حكم الإخوان التي كانت وبالا على الجميع.. خطأ كبير أن نُرجع أي تغيير في ولاية العهد أو شؤون الحكم بأي دولة عربية إلى مطالب أمريكية أو غربية.. وأتذكرُ هنا ما حدث مع الملك عبد الله الثاني عاهل الأردن الذي نصبه والده الراحل الملك حسين وليا للعهد قبل وفاته بـ 48 ساعة، مستبعدا شقيقه الأمير الحسن بن طلال الذي ظل وليا للعهد أكثر من 50 عاما.. فقلنا في مصر إن التغيير بناء على توجيهات أمريكية حيث كان الملك الراحل يعالج بها، وذلك لأن والدة الملك عبدالله بن الحسين إنجليزية.. للملوك رؤيتهم الخاصة في اختيار خلفائهم وهو أمر سيادي لا يحق لأحد تفسيره على هواه.


استراتيجيات الدول وأمنها القومي أشياء لا خلاف عليها.. ثوابت السياسة الخارجية جبال راسخة.. ومحددات الأخطار والتهديدات كما هي خصوصا فى الوقت الراهن، حيث تعصف بالمنطقة العربية رياح الإرهاب الغادرة والأطماع الفارسية المستفزة تخطو باستفزاز إلى الخليج العربي، بعد أن استباحت العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها. 


مصر والسعودية هما صماما الأمان للعالمين العربي والإسلامي مهما تغيّرت القيادات أو الأشخاص.. جيل الشباب عندما يحكم فى السعودية لا يتصرف بهوى أو طيش أو نزق، ولكنّه محكوم  بتراث الأجداد ومستجدات المنطقة وظهور أعداء جدد وتراجع حلفاء تقليديين.


إن زيارة الرئيس السيسي السريعة للسعودية تأكيد على أن البلدين في خندق واحد أمام التحديات الإقليمية وأخطار الإرهاب.. الجيل الجديد في قيادات السعودية لم يهبط ببراشوت على منصبه.. الأمير محمد بن نايف ولي العهد كان مساعدا لوالده وزير الداخلية لشؤون الأمن منذ 2004.. أي في وسط أعنف موجة للتطرف تتعرض لها السعودية.. وله أسلوبه الخاص في مكافحة الإرهاب بالأمن الفكري إلى جانب الحلول الأمنية.. وهو أول من أنشأ لجان المناصحة بالسعودية والخليج، وهي أشبه بالمراجعات الفكرية التي تمت للإرهابيين في مصر.. كما أنه كاد يدفع حياته ثمنا لحربه الشرسة ضد التطرف، حيث حاول شاب في أغسطس 2009 قتله داخل مكتبه بتفجير نفسه بتليفون محمول ومات الإرهابي وأصيب الأمير بجروح طفيفة وأعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجوم.


اقرأ أيضا


من هو محمد بن نايف ولي العهد السعودي الجديد؟


إذن هو رجل مواجهة وفكر في مرحلة حرجة من التاريخ السعودي.. أما الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد  ( 30 عاما) فهو أصغر وزير دفاع في المنطقة.. ولم يمض شهران على توليه الوزارة حتى قاد بلاده في أول مواجهة سعودية إيرانية في عاصفة الحزم التي حققت نجاحا كبيرا.. وأثبت أن الحكمة والتأني والدبلوماسية التي اشتهرت بها المملكة لا تتعارض أبدا مع القوة والحسم إذا استلزم الأمر ذلك.. الامير محمد بن سلمان أصغر وزير في تاريخ السعودية وأول حفيد لمؤسس المملكة الملك عبد العزيز اّل سعود يتولى أهم وزارة خليجية وهي وزارة الدفاع، إضافة لرئاسته  لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية المسؤول الأول عن رفاهية المواطن السعودي ومستقبل أولاده.


إن أكبر أخطاء الإعلام المصري تصوره أن يبقى حلفاء مصر "قوالب متجمدة" في علاقتهم بالكنانة.. إن السادات لم يكن عبد الناصر ومبارك ليس تكرارا للسادات والسيسي أذكى منهم جميعًا.. لا يُمكن أن نطبق تصنيفاتنا السياسية على باقي الدول العربية.. فأهل مكة أدرى بشعابها كما يقولون.


العالم يتغير من حولنا ونحن مازلنا أسرى لأفكار ناصرية وتخاريف هيكل ودراويش السادات، وبالتالي لا نملك القدرة على استيعاب المستقبل وطموحاته وأطماع الجيران ومؤامراتهم.. الحرب القادمة اقتصادية تستهدف خنق التجارة العربية وضرب السياحة وهدم المشروع القومي لتوسعة قناة  السويس من خلال مشروع مواز أو حصار بحري.. علينا أن نتحرر من فكر الستينات وتفصيل الدول على "مقاسنا" فقط وتصنيف الزعماء مقارنة بسابقيهم.. العالم تغير فمتى نتغير نحن؟!