التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 02:12 م , بتوقيت القاهرة

مبارك ..اي صلابة تتمتع بها يا رجل ؟

حسني مبارك، الذي يحتفل بعيد ميلاده السابع بعد الثمانين هو شخصية جديرة بالدراسة والبحث بحق ، ذلك الرجل الذي ظن الكثيرون أن غيوم الموت والانكسار والهزيمه ستحلق فوق سمائه لا محاله وذلك بعد قيام ثورة 25 يناير التى لم يكن يتوقع بها المتنبئ الفرنسي الأشهر"نوسترادموس" ومشاهدته  للجموع التى تجوب الشوارع وتهتف:"يسقط يسقط حسني مبارك" ، تعامل مبارك مع هذا المشهد وكأنها معركه عرف منذ بدايتها انه لن يخفق فيها.


لو أراد مبارك أن يهرب مثل نظيره التونسي زين العابدين بن على الى السعوديه والتى كانت ترحب به فى وقت ، وكانت ستوفرله قصر منيف وحياة آمنه بعيدة عن القضبان وأية عقوبات كانت متوقعه، كان يستطيع بغاية البساطة ويدير رجاله من أي دوله أخرى ولكن سيكولوجية المقاتل حتمت عليه اللعب فى أرضه حتى ولو بدا لنا انه خسر كل الأوراق.


 


صلابة مبارك أو ثخونه جلده كما يفضل ان يصفه البعض او تعاليه و صلفه، وشبيهتها من  عبارات وصفية  كثيرة يمكنها ان تصف الرجل ستصل بك أنه آمن وصدّق وتيقّن من انتصاره فى النهاية، لم ينتحر مثلما فعل هتلر فور علمه بقدوم السوفييت الى برلين فأصيب  بإنهيار عصبي وانتحر هو وزوجته، وربما كان يفعلها على طريقة طياري الكيميكازي اليابانيين حينما كانوا يرتطمون ويفجرون أنفسهم بسفن العدو إبان الحرب العالمية الثانية، ولكنه أيضا لم يفعلها وهذه ليست شجاعة نادرة أو خوف صادق من مواجهة أبناء الوطن بقدر تصديق كامل وايمان تام بأنه سيفوز فى النهاية   .


قل فى مبارك ما فى الخمر، فاشل ، فاسد ، باع البلد، خربها، طبّع مع الاسرائيليين قضى على المؤسات التعليمية، دمر الحياة الديموقراطية ، قل ما يعن لك ولكنك عندما تنظر الى المشهد من عل  ستعرف انك تتحدث عن شخص ذو مكون نادر ودع شفتاك حينها  تتحرك بإبتسامه حتى ولو ساخرة عن دهاءه وثقته فى نفسه وبراعته فى كتابة سيناريو خلاصه بعناية.


 


سيبدو أن ثمة مبالغه فى وصف مبارك بهذه الاوصاف المستفزة للبعض ، نعم لا مبارك ولا غيره يستطيع أن يرجم بالغيب ، فمبارك عندما قال "إما أنا او الفوضى" ، لك يكن يستشرف بالمستقبل بل هو يتكلم بثة رجل المطبخ الذي يعلم كل المقادير والمكونات وان بحدوث خلل ما او نقص فى مقادير شئ معين ولنقل "الأمن" فستكون الفوضى هى من تتسيد المشهد، حسابات بسيطه لشخصية مثل مبارك بدت لمهوسيه بأنه تكهّن بالمستقبل.


هناك عشرات من الأسباب التى نحتت مبارك ومثلته بهذه الشخصية الصلبه التى هو عليها الان


فمبارك مزيج من الفلاح الإراري والعسكري الذي انسلخ عن مدنيته وتم تكديره ليتعلم فنونه ويزيد عليه ، الجندي فالضابط فالمقاتل فقائدا للدفاع الجوي.


المكون الرئيسي لشخصية مبارك بدأت بعد التحاقه بالقوات الجوية فعندما يأخذ الطيار طائرته ويحلق بها صعودا إلى السماء فتصغر الأرض تحته حتى تتلاشى وهو عمل يؤدية الطيار يومياً للتدريب ، يصبح الطيار عالياً فى السماء أعلى من كل البشر، لذا يشعر الطيار بشئ من الكبر والالوهية وقد كانت هناك فزورة منتشرة فى جيل الستينيات قبل نكسة 1967 تسأل عن الشئ الذى رأسه أعلى من النجوم ؟ وكانت الإجابة هى الضابط لأن رأسه أعلى من النجوم التى يلبسها على كتفه.


هناك مشهد بفيلم  "طيور الظلام" للأستاذ وحيد حامد ، كان يحتوي على محادثة قصيره دار بين عادل إمام ويسرا عندما كان ينظر عادل امام من اعلى شرفات أحد الفنادق المطله على النيل   ربما يجسد هذا المشهد تشابها  بين سيكولوجي   المحامي الريفي "فتحي نوفل" القادم من الأرياف لقضاء حفل مليئ برجال سياسة مهمين وحسني مبارك القادم من كفر مصيلحهو الذي ارتفع بطارئته عن الارض بألاف الاميال وبسرعة كسرت حاجز الصوت.


 


ـ البلد دي اللي يشوفها من فوق غير اللي يشوفها من تحت


ـ أنهوا أحلى اللى فوق ولا اللى تحت 


ـ اللى عاوز يشوفها حلوه على طول يشوفها من فوق دايما


ـ أنت أول مرة تسكن فى العالي


ـ أول مره اه بس مش هتكون اخر مره


رأى الموت فلم يعد يعبأ


سبب أخر منطقى جعل مبارك هذا الرجل الذي نشاهده الان والذي لم يجعل جهاز مناعته ينهار ويقاوم قائمة لا بأس بها من الامراض كان يمكن ان تتفاقم وتؤدي لوفاته لو كان استقباله للأخبار والاحكام التى نطقت ضده، والسبب هو أن الموت كان ضيف دائما فى عشرات الاماكن والظروف التي حضرها مبارك ولكنه يرفض مصافحته  وينجى دائما منه .


ربما يبدو الحديث عن مشاركة مبارك فى ثلاثة حروب مصرية ضد اسرائيل به شئ من التكرار ، والحديث بصفة خاصة عن ضربته الجوية سيضفي شئ من الملل، ولكن بلا شك أن هذه الخبرات العسكرية والحربية التى مر بها الرجل جعلته يرى الموت مئات المرات، فمسألة موت طيار هي فى غاية السهوله ، دفاعات جوية مُجهزة للتعامل مع أي جسم غريب يطير فتُطلق نيرانها ويحدث الامر بسهوله وتدمر الطائرة وتختفي هي وقائدها بعباب السماء، فكم من المرات كان الموت قاب قوسين أو أدنى منه ؟


وفى يوم 6 أكتوبر عام 1981 ، كان  يجلس كنائب للرئيس السادات كتف بكتف كنائب له واذا بطلقات خالد الاسلامبولي ورفاقه تندفع بكثره للتجاوز مبارك بسنتيمترات لتصيب السادات فى مقتل.


وفى عام 1995 خلال زيارته لأديس أبابا، حاول حسين شميط ومن معه  اغتياله ولكنه نجا منه ايضا.


ربما تستنكر وترفض كل تلك العبارات ولكن السنوات التي تلت ثورة يناير لابد وأن تكون أكسبتك نضجا ما، نضج انساني أكثر منه سياسي يجعلك تعترف بهزيمتك  بل وتصفق للعبه الحلوه.