لم يترك المقهى الشهير "ريش كافيه" حدثا ثقافيا أو سياسيا على مر العقود الماضية، إلا ووثقه من خلال أحاديث الأدباء والكتاب المشاهير الذين كانوا يرتادون هذا المقهي التاريخي، حتى أن "ريش كافيه" كان سببا في توثيق تاريخ سنوات طويلة من الأدب والنضال الوطني، عبر مفكري هذه الأمة الذين شكلوا وجدانها، وغامر مالكو هذا المقهى بأن يكون انطلاق ثورات المصريين بالشوارع والميادين في العصر الحديث.

"ريش كافية" الذي يلفت انتباه المارة في شارع طلعت حرب بمنطقة وسط البلد، يعد واحدا من تلك الأماكن التي يفوح عطرها عن بعد ويزداد عتقه كلما زادت خطواتك بداخله لتجد التاريخ يحاصرك على الحوائط وكافة الأركان المُحملة بالذكريات الدافئة.

تواريخ خالدة

تأسس "ريش كافيه" عام 1908 على يد رجل ألماني، وباعه عام 1914 إلى "هنري بير" أحد الرعايا الفرنسيين الذي أعطى له اسم "ريش" ليتشابه بهذا الاسم مع أشهر مقاهي باريس التي ما زالت قائمة إلى الآن، وتسمى "كافيه ريش". 

أول مالك مصري 

وقبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى اشتراه تاجر يوناني مشهور من صاحبه الفرنسي، ووسعه وحسن بنائه، ويملك المقهى حاليا مجدي ميخائيل الذي توفي أمس، وهو أول مالك مصري له.

ملتقى الأدباء 

ويعد "ريش" ملتقى الأدباء والمثقفين ومنهم علي سبيل المثال نجيب محفوظ، يوسف إدريس، أمل دنقل، يحيى الطاهر عبد الله، صلاح جاهين، ثروت أباظة، نجيب سرور، كمال الملاح، والنحات كامل جاويش، و الرسام أحمد طوغان، والمحامي الأديب عباس الأسواني، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وغيرهم ممن كانوا يحرصون على حضور نداوت نجيب محفوظ الأسبوعية التي كان يعقدها عصر يوم الجمعة منذ عام 1963، وذلك بعد وقف ندواته في مقهى الأوبرا.

 وكان "ريش" يقدم المشاريب والوجبات بتخفيض خاص من باب الحفاوة بضيوف الروائي الكبير نجيب محفوظ.

اغتيالات 

وفي عام 1972 انطلقت من "ريش كافيه" ثورة الأدباء، احتجاجاً على اغتيال الروائي الفلسطيني غسان كنعاني، كما أنه في ديسمبر عام 1919 شهد محاولة اغتيال رئيس الوزراء وقتها يوسف وهبة باشا.

بروتوكولات حكماء ريش

كتب الشاعر نجيب سرور عن معالم المقهى في ديوانه الشهير "بروتوكولات حكماء ريش"، و في بهو المقهى قدمت فرقة الفنان "عزيز عيد المسرحية" فصولا عدة من مسرحياته التي قامت ببطولاتها الفنانة روزاليوسف، تخللها بعض المونولوجات، يغنيها الفنان محمد عبد القدوس، والد الأديب إحسان عبد القدوس.

الفاجومي ..

و خلد "ريش" ذكرى الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم "الفاجومي" حين قال "يعيش المثقف على مقهى ريش، يعيش يعيش يعيش".

ثورات ومنشورات 

كما شهد ا "ريش" اجتماعات الضباط الأحرار التى خطط فيها جمال عبد الناصر ورفاقه لثورة يوليو، و كان "ريش" مقرا للثوار قديما وخرجت منه مظاهرات وكتبت فيه بيانات ومنشوارات،كما لعب حديثا دورا مماثلا فى ثورة يناير 2011، وما تلاها من موجات ثورية حيث شكل ملاذا للثوار ومقرا لاجتماعاتهم.

وقال عبد الرحمن الرافعي في كتابه "تاريخ مصر القومي 1914- 1921" إن "ريش" ملتقى الأفندية من الطبقة الوسطى، كما عرف مقراً يجتمع فيه دعاة الثورة والمتحدثون بشؤونها أو شؤون البلاد العامة. كما كان معقلا لمختلف الطلائع السياسية المتحررة من التعصب الحزبي يتحاورون ويتسامرون ويتندرون ويتشاغبون، لكنهم غالبا ما يتفقون على موقف واحد في مواجهة الملمات الكبرى التي تحتاج إلى الوحدة الوطنية، حيث كانت تخرج معظم البيانات الوطنية من هذا المكان.