"التقدمي الاشتراكي".. روح فولاذية تزعمت لبنان حربا وسلما
يعتبر الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان، من القوى السياسية البارزة منذ أكثر من نصف قرن مضى، يجمع ما بين الاشتراكية والخلفية الدينية الدرزية.
يتزعم الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط منذ مقتل والده كمال فؤاد جنبلاط مؤسس الحزب في 16 مارس عام 1977.
الروح الفولاذية
برز الحزب في فترة الحرب الأهلية اللبنانية وما قبلها من خلال كمال جنبلاط كأحد أهم زعماء لبنان وأحد زعامات الطائفة الدرزية في جبل لبنان إضافة لكونه مفكرا وفيلسوفا.
أسرة جنبلاط التي تعني (صاحب الروح الفولاذية) ذات الأصول الكردية، يعتقد أنها قدمت إلى لبنان في عهد الدولة الأيوبية
تأسس الحزب في الأول من أيار 1949 وشارك في تأسيسه إلى جانب كمال جنبلاط، فريد جبران، وألبرت أديب وعبد الله العلايلي وفؤاد رزق وجورج حنا.
لكن سبق التأسيس أي في العام 1943 وبعد وفاة ابن عم كمال جنبلاط (حكمت)، بويع فور انتهاء مراسم الدفن وكان عمره لا يتجاوز الـ 25 عاما، فاز في العام نفسه بالانتخابات النيابية ودخل المعترك السياسي، وأعلن جهارة صراعه العنيف مع قوى الانتداب الفرنسي ووقوفه إلى جانب حكومة الاستقلال في لبنان.
وكان اختيار الأول من أيار لتأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي، مرتبطا بذكرى مجزرة شيكاغو في العام 1886، والتي ذهب ضحيتها عشرات العمال، تأكيد التزامه قضاياهم واحتضان مطالبهم، وقد عبّر عن ذلك في "حفلة الشاي" التي أقيمت في منزله بعد ظهر يوم الأحد الأول من شهر مايو في العام 1949، لإعلان ولادة الحزب.
مرحلة العداء
انضم الحزب إلى الحركة الوطنية اللبنانية بزعامة جنبلاط، إضافة لأحزاب لبنانية أخرى لعبت دورا كبيرا في مواجهة الجبهة اللبنانية المسيحية التي ضمت حزب الكتائب اللبنانية وحزب الوطنيين الأحرار بزعامة كميل شمعون أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.
تمكن جنبلاط من بناء ميليشيا في فترة الحرب الأهلية، سيطرت على أجزاء كبيرة من جبل لبنان بمساعدة الفلسطينيين والسوريين، حيث أن الصراع كان على أشده مع الموارنة وحزب الكتائب اللبنانية.
بعد مقتل كمال جنبلاط في 16 مارس 1976، تم إلقاء اللوم على السوريين، ولكن في يونيو 2005 صرح جورج حاوي على قناة الجزيرة بأن رفعت الأسد (شقيق حافظ الأسد) كان وراء عملية الاغتيال.
تابع وليد جنبلاط إرث والده كمال، وقاد ميليشيا الحزب في أحلك مراحل الحرب الأهلية اللبنانية، وانتقم من المسيحيين كردة فعل على مجازر قامت بها ميليشيا القوات اللبنانية المارونية ضد مواطنين مدنيين دروز، فتم تهجير المسيحيين من مناطق جبل لبنان التي سيطرت عليها ميلشيا الحزب التقدمي بمساعدة من المنظمات الفلسطينية المسلحة والجيش السوري.
تعدد المواقف
يأخذ على الحزب التقدمي الاشتراكي أنه كان يتنقل في العهود الرئاسية المختلفة بين الموالاة والمعارضة، فمنذ مشاركة زعيمه كمال جنبلاط في الحياة السياسية سعى الأخير جاهدا إلى تحقيق برنامجه، ولو في الحد الأدنى لإيمانه العميق بالإنسان وإيجاد نظام يضمن حقوق المواطنين.
أثناء الحرب اللبنانية استطاع الحزب جمع أكبر عدد من الأحزاب اليسارية في جبهة واحدة، فكانت "الحركة الوطنية اللبنانية" التي تزعمها حتى اغتيال كمال جنبلاط في العام 1977، وضمت: الحزب الشيوعي اللبناني، ومنظمة العمل الشيوعي وغيرهما من الأحزاب اليسارية، وصاغ جنبلاط مع رفاقه البرنامج المرحلي، وقدمه على أساس أنه مخرج للأزمة اللبنانية، وحمل في بنوده أجوبة وحلولا لبعض الإشكاليات اللبنانية.
تزعّم النائب وليد جنبلاط الحزب التقدمي الاشتراكي بعد اغتيال والده وهو في العقد الثالث من العمر، فمنذ العام 1977 تسارعت وتيرة الحوادث في لبنان، مع استمرار الحرب الداخلية وارتفاع نسبة التدخل الخارجي، الى أن جاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 والذي شكل منعطفا حادا في تاريخ الأزمة اللبنانية، ومع خروج الفلسطينيين من لبنان خسر الحزب التقدمي والحركة الوطنية الحليف الأساسي، وفي المقابل بدأت ملامح خريطة جديدة ترتسم.
حرب سوداء
بعد الانسحاب الإسرائيلي من جبل لبنان إثر الاجتياح الإسرائيلي، اندلعت أعنف المعارك بين الحزب التقدمي الاشتراكي من جهة، و"القوات اللبنانية" من جهة ثانية، وسقط عشرات القتلى من المدنيين والعسكريين، إضافة إلى تهجير مئات العائلات المسيحية من قراها.
وكانت حرب الجبل صفحة سوداء، عمل الحزب التقدمي على إزالة آثارها تدريجا، وكلّلتها المصالحة الوطنية عبر الزيارة التاريخية للبطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير إلى الجبل في 4 آب 2001.
وضمن ميثاق الحزب تأتي عبارة "أنا اشتراكي لأني أحب العدل والإخاء والحرية (...) وأعتقد أن الاشتراكية روحية يجب أن تتحقق في النفوس قبل تحققها في الأنظمة والمؤسسات".
وينشط الحزب وخصوصا منذ مؤتمره التاسع 2003 لإشراك الشباب في مجلس قيادته، أي ما يعرف بالتجديد نظرا إلى أن متوسط عمر القياديين فيه يراوح بين 40 و50 عاما، وقد أطلق جنبلاط دعوة إلى الشباب للترشح إلى المناصب القيادية وأدخلت تعديلات تنظيمية من أجل ضخ دم جديد في الحزب.