مصر ومبادرة المنح الأمريكية
في المرحلة التي نعيش فيها، نادرا ما نسمع عن قرار أمريكي صائب تجاه منطقة الشرق الأوسط بشكل عام ومصر بشكل خاص، حيث اتسمت قرارات إدارة أوباما بالعشوائية والتخبط وعدم الفهم. ولكن الإدارة الأمريكية أعلنت منذ أيام عن مبادرة للتعاون في مجال التعليم العالي مع مصر تبدو مختلفة عن هذا التوجه.
المبادرة - وفقا لما أعلنته السفارة الأمريكية ووزارة التعليم العالى بمصر- تتألف من خمسة مكونات هي: برنامج الماجستير في إدارة الأعمال للفتيات للدراسة في الولايات المتحدة، وبرنامج منح في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، إضافة إلى توفير برنامجين للمنح الدراسية، التي ستساعد 550 طالبا متميزا من طبقات المجتمع المنخفضة الدخل، على التعلم في الجامعات المصرية الخاصة والحكومية. وتشمل المبادرة، أكثر من 50 منحة فولبرايت لدراسة الماجستير والدكتوراه، في الولايات المتحدة، وأكثر من 1000 منحة تبادل وفرصة دراسة بالخارج للمهنيين والطلاب المصريين.
ما تحتاجه مصر بالفعل هو الاستثمار في البشر، وما يحتاجه الشباب المصري النابه هو توفير فرص للتعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والإدارة الحديثة. والحكومة المصرية لا تستطيع تمويل برنامج كبيرا للبعثات في الخارج وخاصة بالولايات المتحدة للتكلفة العالية لهذه البرامج.
المواطن المصرى لم يشعر كثيرا بفائدة المعونة الأمريكية وخاصة في شقها الاقتصادي. وفي السنوات الأخيرة، تم إهدار جانب كبير من هذه المعونة على مشاريع وهمية ومكررة، ودون عائد حقيقي على عملية التنمية.
مبادرة منح التعليم العالى تمثل توجها مختلفا ومحمودا للمعونة. ولكن لكي تنجح هذه المبادرة في تحقيق الهدف منها لا بد أن يكون لمصر دور أساسي في إدارتها من خلال مايلي:
أولا: وضع معايير لمن يتم اختيارهم للاستفادة من هذه المنح تعتمد بالأساس على التفوق العلمي وقواعد العدالة، وألا يترك الأمر فقط للمؤسسات الأمريكية العاملة في مصر لاختيار هؤلاء.
ثانيا: من المهم أن يكون لمصر دور في تحديد التخصصات الفرعية التي يتم دراستها بالولايات المتحدة، وأن يرتبط ذلك باحتياجات التنمية من ناحية، وبالخطة التي وضعتها وزارة التعليم العالي للبعثات في الخارج من ناحية أخرى، وهي خطة تستند إلى احتياجات الجامعات ومراكز البحوث العلمية في التخصصات المختلفة.
ثالثا: لابد أن توفر مصر حوافز مادية ومعنوية للعقول المصرية التي سوف تتعلم في الخارج للعودة لمصر والاستقرار بها، وليس البقاء في الولايات المتحدة أو العودة لمصر لفترة قصيرة، كما تشترط بعض هذه المنح -عاما أو عامين- ويقوم هؤلاء بعدها بالرجوع للولايات المتحدة. على مصر أن توافر المناخ الملائم للاستفادة من هذه العقول وتشجيعها على الاستقرار في مصر.
أحد أسباب نجاح التجارب التنموية لدول مثل الصين والهند هي تبنيها برامج يطلق عليها "نزيف العقول العكسى Reverse Brain Drain"، أي تشجيع أبنائها من العلماء الذين يعيشون في دول متقدمة على العودة للاستقرار في أوطانهم.
المبادرة الأمريكية في مجال التعليم العالي هي قرار جيد، ولكنها تحتاج رؤية وإسهام مصري لتحقيق الاستفادة الحقيقة منها.