التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 05:41 م , بتوقيت القاهرة

4 سنوات على تطويب "الكبير".. اليتيم الذي صار "يوحنا بولس"

رغم رحيل البابا يوحنا بولس الثاني، في 2 إبريل 2005، إلا أن محبيه ومنتقديه أجمعوا على كونه علامة فارقة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، التي أعلنت قداسته في مثل هذا اليوم من العام الماضي، في عهد بابا الفاتيكان فرانسيس الأول، ولقبته بـ"الكبير"، وهو اللقب الذي لم يمنح إلا لأربعة بابوات في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.

نشأة ناضجة

ولد البابا يوحنا بولس الثاني في 18 مايو عام 1920، ببلدة وادووايس ببولندا بأسم "كارول جوزيف فوتيلا"، ويذكر البابا أن نشأته تأثرت بشدة بوفاة والدته وهو لم يتجاوز الثماني سنوات، ثم شقيقه الأكبر الذي كان يعتني به، وكان حرص كارول منذ صغره على القراءة والتعلم وممارسة الرياضة، وخاصة كرة القدم، وهما الأمرين الذين لم يتركهما حتى بعد توليه البابوية، حتى أن البعض أطلق عليه لقب "البابا الرياضي".

الدارسة والكهنوت

بدأ كارول دراسة اللاهوت في أكتوبر 1942، على يد أسقف كراكوف ليتلقي دورس اللاهوت في مدرسة تحت الأرض، بعد أن منعت القوات الألمانية أثناء غزوها لبولندا دراسة اللاهوت، كما يروي البابا أنه ساعد عدد من اليهود الهاربين من معسكرات الاعتقال النازية على الاختباء.

رُسم كارول كاهنا على إحدى كنائس كراكوف فور انتهاء دراسته اللاهوتية، وحصل على الدكتوراه للمرة الأولى عام 1948، قبل أن يحصل على الدكتوراه للمرة الثانية في عام 1954، وكان عمله بالتدريس بعدة جامعات فرصة لتكوين علاقة جيدة مع الشباب، حيث شكل جمعية "الأسرة الصغيرة" التي قامت بعدة أنشطة شبابية روحية وإجتماعية وخيرية وتعليمية.



الأسقفية والبابوية

رسمه البابا بيوس الثاني عشر أسقفا ببولندا عام 1958 وهو في سن الثامنة والثلاثين، وكان له دوار أساسي ورئيسي في المجمع الفاتيكاني الثاني الذي عقد في عام 1962، والذي اتخذ عدة قرارات جريئة أغضبت التيار المحافظ داخل الكنيسة الكاثوليكية، الذين رأوا فيه خروج عن فكرة التقليد الرسولي الآبائي، خاصة في موقف الكنيسة من "خلاص الوثنيين وأصحاب الديانات الأخرى"، ومسألة "الزواج من غير المسيحيين"، وطرق تفسير الكتاب المقدس.

ثم عينه البابا بولس بعد ذلك كاردينالا، بعد أن حظي بثقة كبيرة لديه، وأصبح له دور أساسي في الكنيسة الكاثوليكية، وكان له دور بارز في مقاومة الشيوعية وإسقاطها في بلده الأم بولندا وقتما كان أسقفا.

الكاردينال كارول (البابا يوحنا بولس) بحوار البابا بولس السادس
 

وبعد وفاة البابا يوحنا بولس الأول، قرر مجمع الكرادلة انتخاب الكاردينال كارول بابا لروما باسم البابا يوحنا بولس الثاني، تكريما لاسم سلفه، لتبدأ الكنيسة الكاثوليكية مرحلة جديدة.

الحوار مع الأديان

لم يكن موقف البابا يوحنا بولس من الأديان الأخرى مغايرا لما أقره المجمع الفاتيكاني الثاني، حيث أُقر الزواج من غير المسيحيين، مع الإيمان بخلاصهم، معتبرا أن كل دين هو محاولة للوصول إلى الله، وهو الأمر الذي أثار غضب التيار المناهض لقرارات المجمع.

وعلى سبيل المثال، زار البابا بوحنا أحد المساجد وقام بتقبيل القرآن قائلا "إن خطة الله للخلاص تشمل المسلمين أيضًا، الذين يعبدون معنا الله الواحد، إن المسلمين والمسيحيين أساؤوا إلى بعضهم البعض، ونحن اليوم نطلب الاستغفار عن ذلك من الله".



ومع الديانة البوذية، زار أحد المعابد البوذية في تايلاند وصلى به، وكما زار الهندوس ومُسحه كهنة الهندوس بالزيت الخاص بهم، حسب طقوسهم، وفي قداس بتاريخ 26 أكتوبر 1986 قام بوضع تمثال بوذا على المذبح، كتعبير عن التسامح الديني بحسب ما قال.


البابا يوحنا وهو يضع تمثال بوذا على المذبح


أحد كهنة الهندوس يمسح البابا بالزيت

كما زار حائط المبكى اليهودي ومارس الطقوس اليهودية، واضعا يده على الحائط، وكان قبلها أقام العلاقات الرسمية مع إسرائيل.



كان البابا يوحنا يؤكد على مبدأ الحوار، حتى أنه عندما تعرض لمحاولة اغتيال من أحد الأتراك الذي أصابه برصاصة كادت أن تقضي عليه، زاره البابا يوحنا في السجن معلنا الصفح عنه.

محاولة اغتيال البابا:

البابا يوحنا بولس يزور من حاول قتله بالسجن?

الحوار مع الطوائف المسيحية

أجرى البابا يوحنا عديد من الرحلات التي لم يسبق أن قام بها أحد من أسلافه بهذا الكم، حيث سعى لتوطيد العلاقات مع كل الدول وجميع الطوائف المسيحية والأديان الأخرى، حتى لقبه كثيرين بـ"بابا الحوار"، حيث سعى للحوار مع الكنائس البروتستانتية ووقع إعلانا مشتركا حول "لاهوت التبرير"، ومارس الطقوس الكنسية داخل إحدى الكنائس البروتستانتية، وأيضا سعى بين عديد من الكنائس التابعة للعائلة الأرثوذكسية الشرقية، كاليونانيين والروم الأرثوذكس، محاولا إعادة العلاقات منذ الانشقاق في القرن الـ11.



وسعى البابا يوحنا بولس الثاني أيضا إلى توطيد العلاقات مع العائلة الأرثوذكسية المشرقية اللاخلقدونية، وعلى رأسها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي كان بطريركها البابا شنودة الثالث أبرم اتفاقا مع الكنيسة الكاثوليكية حول طبيعة المسيح في زيارته التاريخية لروما عام 1973، ووقعت اتفاقية نهائية مع الكنيسة الكاثوليكية لصيغة مشتركة حول طبيعة المسيح عام 1988، إلا قرار الكنيسة الكاثوليكية في عهد البابا يوجنا بولس الثاني قامت بعد ذلك بقبول شركة الكنيسة الأشورية، التي تؤمن بتعاليم البطريرك المحروم "نسطور"، أعاد التوتر مرة أخرى.

وأجرى البابا يوحنا زيارة تاريخية لمصر في فبراير عام 2000، التقى خلالها بالبابا شنودة الثالث، وقال وقت زيارته للبابا شنودة إنه يؤمن بأرضين مقدسيتين، هما القدس ومصر، الذين جاء إليهم السيد المسيح.



"ليبرالي محافظ"

رغم قراراته الكثيرة التي أغضبت التيار المحافظ بالكنيسة، إلا أنه كان ضد الشذوذ الجنسي وكهنوت المرأة وأساليب منع الحمل، وهو ما عرضه لانتقادات من بعض التيارات المتحررة في الغرب، خاصة بعدما ظهرت في سنينه الأخيرة قضية "الاعتداء الجنسي على الأطفال" من جانب قساوسة كاثوليك، وأُخذ عليه عدم التعامل مع القضية بشكل حاسم، مخلفا نفس الملف لخلفه البابا بينديكت السادس عشر، الذي حاول اتخاذ إجراءات صارمة في هذه القضية.

ولكن تلك التيارات أشادت بقدمه بإعتذارات رسمية عن ممارسات الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى.

وفاته

توفي البابا يوحنا بولس الثاني في 2 إبريل عام 2005 متأثرا بمرض باركنسون وأمراض الشيخوخة، بعد أكثر من نصف قرن في خدمة الكنيسة الكاثوليكية.