من الجزائر إلى المغرب.. موريتانيا بين "الحبيب والقريب"
مقال صحفي تحدث عن شكوى موريتانية إلى الأمم المتحدة تتهم فيها المغرب بإغراق حدودها الشمالية بالمخدرات، كان سببا في طرد المستشار الأول بسفارة الجزائر في نواكشوط، بلقاسم الشرواطي، بعد اتهامه بالوقوف خلف المقال، الذي اعتبرته السلطات الموريتانية "ميسئا لعلاقاتها الخارجية"، فما كان من الجزائر إلا أن ردت "الصفعة" بطرد دبلوماسي موريتاني، لتشتعل الأزمة.
الواقعة التي تعد سابقة في علاقة البلدين "الحبيبين" على اعتبار أن العلاقة بين البلدين شهدت استقرارا خلال السنوات الأخيرة، رغم ما يحدث على الحدود الجزائرية الموريتانية من موجات لتدفق الأفارقة النازحين خاصة من مالي، جاءت بمثابة تأكيد جديد على تحسن العلاقات الثنائية بين موريتانيا و"قريبتها" المغرب، بعد فتور ملحوظ بين الطرفين.
الجزائر "الحبيب"
ففي ظروف وملابسات مماثلة، طردت موريتانيا، في ديسمبر/ كانون الأول عام 2011، مدير مكتب وكالة الأنباء المغربية بنواكشوط، عبد الحفيظ البقالي، لضلوعه في نشر سلسلة مقالات صحفية تسيء لعلاقات موريتانيا بالجزائر وللسياسة الخارجية لموريتانيا.
ولم يكن ذلك هو الشرخ الأول في العلاقات بين البلدين، فذاكرة الموريتانيين لا تستطيع أن تنسى أن المملكة المغربية ظلت حتى نهاية ستينيات القرن الماضي ترفض الاعتراف ببلادهم، وتنظر إليها كجزء لا يتجزء من الامبراطورية المغربية.
كما لا يمكنها أن تنسى مطالبات المغرب بموريتانيا، وما صاحبها من توترات وتشجنات كثيرة، طبعت علاقات البلدين حتى في مرحلة ما بعد الاعتراف المغربي، ما أفرز نوعا من "الحذر" والتوتر في علاقات الجارين الشقيقين، ولعل امتناع نواكشوط حتى الآن عن تعيين سفير لها في الرباط لأبرز دليل على حالة الفتور بين الجانبين.
وعلى خلفية نزاع الصحراء الغربية، التي هي أساس الخلاف بين الجزائر والرباط، عارض المغرب تولي موريتانيا كرسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بحكم أن موريتانيا تعترف بما يسمى "الجمهورية العربية الصحرراوية" التي أعلنتها "جبهة البوليساريو"، من جانب واحد، منتقدا استمرار نواكشوط تبني موقفا غامضا في نزاع الصحراء بالميل الى الجزائر و"البوليساريو" عند كل طارئ دبلوماسي وإن كان بسيطا.
ونتج عن استمرار التوتر بين الطرفين تقو للعلاقات الموريتانية الجزائرية في السنوات الأخيرة عبر تنسيقهما المشترك في العديد من الملفات الإقليمية والقارية.
المغرب "القريب"
غير أن الأسابيع الأخيرة شهدت بعض المواقف والتحركات الموريتانية التي اعتبرت، من قبل المراقبين، دليلا على نوع من الدفء في العلاقات مع المغرب، من بينها زيارة رئيس الحزب الحاكم، سيدي محمد ولد محمد، إلى الرباط، واستقباله هناك بحفاوة ظاهرة.
وتناولت صحيفة "الأخبار إنفو" المغربية الأسبوعية في آخر عدد لها بإسهاب ما سمتها عودة موريتانيا إلى "الحضن المغربي"، متحدثة عن زيادة تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين.
وفي منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2014 أدى وزير الداخلية الموريتاني، محمد ولد محمد راره للرباط، وقع خلالها اتفاق تعاون أمني مع نظيره المغربي، قبل أن يرد وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، على هذه الزيارة، بعدها بأقل من أسبوعين، بالسفر إلى نواكشوط، في زيارة تهدف إلى "إعادة الدفء إلى العلاقات بين البلدين".
ورغم ما شهدته العلاقات بين موريتانيا والمغرب مطلع العام الجاري من أزمة ذات ملامح اقتصادية مردها رفع الرباط للرسوم الجمركية على التجار الموريتانيين والسلع المصدرة إلى المغرب بنسبة وصلت 60%، غير أن ما لا يمكن إغفاله هو أن نواكشوط، التي كانت تسمى ببلاد "شنقيط"، كانت امتدادا تاريخيا وبشريا وثقافيا ودينيا للمغرب (المرابطون)، منذ قرون، وتجمع شعبيهما الكثير من العوامل المشتركة، حتى أن عدة قبائل موريتانية لازالت تؤمن بالوحدة الاندماجية مع المغرب في المستقبل وبصفة إرادية حرة.
مويتانيا "المحتارة"
ولازالت العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وموريتانيا تتأرجح، منذ وصول محمد ولد عبدالعزيز إلى الحكم في بلاده، في 18 يوليو/ تموز 2009، بين التطور والفتور، والتقارب والتباعد، وذلك تبعا لمعطيات جيوسياسة تطرأ على المنطقة المغاربية، خصوصا في خضم العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر بسبب الصحراء.